للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشادة بملكهم ويبالغو في خشية الآخر منه، فصور أعوان شاباكا ملكهم يقبض على نواصي آسيويين ويتلقى جزاهم. بينما فسر أتباع سرجون هدايا شاباكا إليه بأنه كان قد أدرك واتقى بأس الأرباب آشور ونابو ومردوك وغضب سرجون، على الرغم من وجوده في بلد نائية وعرة المسالك "في النوبة"، وعلى الرغم من أن آباءه ما تعودوا من قبل أن يسألوا عن صحة أجداد سرجون إطلاقًا١. وكان هذا هو شأن كتبة الملوك هنا وهناك في أغلب ما يكتبونه ليرضوا به غرور ملوكهم.

وتركت مصر سياسة اللامبالاة الخارجية في عهد شبتكا "أو سبتكو" "جد كاورع - من خبر رع" ابن بيعنخي. ويبدو أنه لم يكن في وسعها، على الرغم من متاعبها، أن تبقى منعزلة طويلًا عن العالم الخارجي الذي قلب الآشوريون موازين القوى فيه رأسًا على عقب، فما أن انتهى عهد سرجون حتى انفجرت بلاد الشام في ثورة عارمة ضد الاحتلال الآشوري. وكان ممن تطلعوا إلى عون مصر دويلة يهوذا وملكها حزقيا، وهو ملك اعتبره قومه مصلحًا لمحاولته تخليص عقائدهم من شوائب الوثنية فيها، وقد عاصره النبيء إشعيا وكان على عكس من دعاة الخضوع لآشور والتباعد عن محالفة مصر. فأعانتها مصر، وليس حبًَّا فيها، ولكن لاتخاذها موقعًا من مواقع تعويق التوسع الآشوري، وأنجدت عاصمتها أورشليم بجيش كان على رأسه تاهرقه بين بيعنخي، وكان من أفذاذ الحرب، ولكن خصمه الآشوري سينا خريب بن سرجون كان أعنف وأكثر عددًا وعدة. وباستخفاف المقتدر أرسل سينا خريب رسوله الرابشاق إلى أهل أورشليم في عام ٧٠١ق. م، ليصرفهم عن حرقيا وحليفه الفرعون المصري، بل وعن رب يهوذا كذلك، بحجة أن ملكهم حزقيا قد مرق عن دينهم بإزالة المرتفعات والمذابح التي أقامها أسلافه، وأنه لا أمل لهم في مصر التي نخرت المشاكل كيانها وأوهنتها٢، وأن أرباب الأرض جميعها لم يستطيعوا أن ينقذوا بلادهم من آشور. أما الخاتمة فاختلفت فيها روايات الفريقين، فادعت نصوص الآشوريين الانتصار المؤزر على المدينة، وحلفائها، وروت أن حزقيا اضطر تحت وطأة الحصار وما أصاب النجدة المصرية وانفضاض أتباعه من حوله إلى أداء الجزية مضاعفة إلى نينوى ومعها وفد من بناته وحظاياه وموسيقيه. ولكن روت التوراة أن الجيش الآشوري حل به الموت الإلهي وحام ملك يهوه فوقه ليلًا، وفي بكرة الصباح أصبحوا جثثًا هامدة، فارتد الملك الآشوري مدحورًا بخزي الوجه إلى أرضه بعد أن أصبح جيشه كالعصافة في مهب الريح٣. وتحدث هيرودوت عن المصريين فروى أن ملك مصر باعتباره الكاهن الصالح للإله بتاح قد أحزبه الأمر واعتمد على عون ربه أكثر مما اعتمد على مجهود الجنود، وفي عشية الموقعة سرت أسراب هائلة من الجرذان في معسكر الآشوريين فمزقت الجعاب وقرضت القسي وسيور الدروع، فأصبحوا بلا عدة وتفرقوا مغلوبين على أمرهم من أهون المخلوقات٤. وذهب بعض الرأي إلى الربط بين قصتي التوراة وهيرودوت بأن


١ Luchenbill, Op. Cit., Ii, ٦٢; Anet, ٢٨٧.
وراجع في تاريخ العراق عن بعض المشكلات التاريخية التي تمس اسم مصر في نصوص سرجون.
٢ أخبار الأيام الثاني: الإصحاح ٣٢.
٣ الملوك الثاني ١٩: ٨ - ٣٥، إشعيا ١٧: ١٣
٤ Herodotus, Ii, ١٤١.

<<  <   >  >>