للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على معابد آمون وأتباعه، والإشراف المادي على ثروات طيبة، زادها بإقطاعيات أخرى من مصر الوسطى ومن الدلتا كان بعضها إهداءات من المعابد وربما من الأثرياء أيضًا. وجعل لها حاشية كبيرة تشبه حاشية الملكات تخير رؤساءها من رجال الدلتا١. ثم عهد بإقليم إدفو وأسوان إلى أجد أنصاره. وبهذه الإجراءات المتتابعة اعتقد بسماتيك أنه حقق التوازن بين أولياء السلطة في مملكته المرتقبة، فالصعيد قسم سلطاته بين ثلاث جهات حاكمة، والدلتا أغرى بعض كبارها بمناصب في الصعيد، وابنته أشرفت باسمه على كهنوت آمون وأملاكه. وكما جرت العادة، غالبًا ما كان المنعم عليهم يعهد إليهم بوظائف كهنوتية حتى يستفيدوا من مخصصاتها ويقللوا من تضخم ثروات المعابد الكبيرة ولا يثقلوا في الوقت نفسه على ميزانية الدولة باعباء كبيرة٢. وكما حقق الرجل التوازن الإدراي من وجهة نظره، اعتقد أنه يحقق التوازن في الجيش كذلك بالاستعانة بمرتزقة من الإغريق أو المتأغرقين يقفون في مقابل المجندين والمرتزقة من المهجنين الليبيين وغيرهم. وعندما تطلع إلى الخارج كانت الظروف مواتية، فقد واصلت آشور نضالًا عنيفًا حينذاك مع منافستها القوية عيلام، وواصلت انتقامًا عنيفًا من أختها اللدود بابل ومن حلفائها، وواجهت عدة ثورات في الشام، واشتبكت مع دولة ليديا في آسيا الصغرى، وهنا حدث ما أسلفنا خبره من أن بسماتيك حالف "جيجيس" ملك ليديا "حوالي عام ٦٥٥ أو ٦٥٤ق. م" على أن ينجد أحدهما الآخر حين الحاجة، وعلى أن يستعين ببعض مواطنيه الإيونيين والكيريين كمرتزقة في جيشه٣. وقد كانت الشقة بعيدة بين الحليفين ولكن قرب بينهما عداؤهما لآشور، وعدم خوف أحدهما من أطماع الآخر، مع تقدير الإغريق لمصر على الرغم من النكبات التي حلت بها. وسبق معرفة المصريين بالإغريق والمتأغريقين من قبل تجارًا ومرتزقة وملاحين مهرة. وفي أعوامه الأولى تخلص بسماتيك وأعوانه من النفوذ الآشوري، وقضوا عليه بعد سنوات قليلة من بدايته، وإن كنا لا ندري للأسف من تفاصيل كفاحهم المسلح ضده ولا كيفية إجلائهم الحاميات الآشورية عن مصر إلا ما ألمح هيرودوت إليه من أنهم تعقبوها حتى فلسطين ٤. ووفت مصر بعهدها مع جيجيس فأعدت له نجده في كفاحه ضد الهجرات السيميرية وضد الآشوريين، ولكن سقوطه كان سريعًا "في عام ٦٥٣ق. م." فلم تؤد النجدة دورها.

وتفرغ بسماتيك لتأمين مركزه وبلده، وسلك سبل السياسة والقوة معًا، فآثر السلام مع نباتا وأوفد سفارة إليها عادت منها بالهدايا ٥، واكتفى بما نجح فيه من تخليص بلده من نفوذ الآشوريين ولم يستمر في عدائه الصريح لهم بعد مقتل حليفه جيجيس، وربما هادنهم وهادنوه حتى يفرغوا من متاعبهم٦. فاستفاد


١ Breasted, Anc. Records, Iv, ٩٥٣ F.; Leclant, Jnes, ١٩٥٤, ١٦٩.
٢ H. Renke, Zaes, Xliv, ٤٥ F.
٣ D. Luckenbill, Ancient Records Of Assyria, Ii, ٧٤٨-٤٨٥.
٤ Herodotus, Ii, ١٥٧.
٥ Kienitz, Op. Cit., ١٦.
٦ Mary Francis Gyless, Pharaonic And Administration, “٦٦٣ To ٣٢٣ B.C.”, Carolina, ١٩٥٩, ٢١ F.

<<  <   >  >>