للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهما واستولت على صيدا١، كما تدخلت لمصلحة أورشليم ولكنها لم تلق منها جزاء ولا شكورًا. فقد شجعت التحركات المصرية مدن فلسطين على الثورة ضد النفوذ البابلي، مما أدى بجيوش نبوخذ نصر إلى مهاجمتها ومحاصرة أورشليم للمرة الثانية، وهنا ساعدها أبريس المصري على مقاومة الحصار في عام ٥٨٧ق. م انقسم أهلها حينذاك فريقين: فريقًا تزعمه صدقيا وحمد لمصر معونتها وتكلم باسمه النبيء حننيا فدعا إلى كسر لنير البابلي باسم الرب، وفريقًا آخر تزعمه إرميا وأخذ يتنبأ بأن ملك مصر سوف يعود إلى بلده وأن البابليين سوف يستولون عن أورشليم ويحرقونها وأنه يجب وضع أعناق الأمة تحت نير ملك بابل بأمر الرب أيضًا٢. وهكذا كان شأن من يدعون النبوة من بني إسرائيل، إلا من عصم!.

وتحقق تشاؤم إرميا، ودمر البابليون أورشليم في عام ٥٨٦ق. م. وشاءت الأقدار أن يأسروا صدقيا صديق مصر وأتباعه وعينوا جداليا مكانه، بينما لاذ عدوها إرميا خصيم مصر برحابها بعد أن ضيق البابليون عليه وعلى قومه، ثم لم يحمد لها صنيعها، ولم يشكر لملكها أن قبل بعض اليهود مرتزقة في جيشه، وإنما واصل نعيبه قائلًا "هكذا قال الرب، لسوف أوقع الفرعون هوفرا بين يدي أعدائه الذين يطلبون حياته"٣.

وترك نبوخذ نصر أورشليم ودق الحصار على أسوار صور، فصمدت له ثلاثة عشر عامًا، وعاونها المصريون من البحر "راجع تاريخ العراق"، مما أثار حفيظته على مصر وجعله يصمم على الانتقام المباشر منها. وقد تحدثت نصوصه عن حملة أرسلها إلى حدودها الشمالية الشرقية "في عام ٥٦٨ أو ٥٦٧"٤، ولا ندري هل حدثت الحملة فعلًا وفشلت، أم لم تحدث إطلاقًا.

وكان أمام الفرعون واح إب رع "أبريس" من المشاكل الأخرى ما أثقل عليه بعد أن اتجه بفضيلة النجدة هذه المرة إلى الغرب، فعادت عليه بأذى لا يقل عن الأذى الذي أصابه من الشرق، فقد نشأ نزاع مرير بين القبائل الليبية الممتدة حتى تونس الحالية وبين جماعات من الدوريين الإغريق استعمروا برقة وما حولها استعمارًا تجاريًّا ما لبث حتى تحول إلى استعمار سياسي أصبحوا به سادة البلد واتخذوا مدينة Cyrene أو قرنية عاصمة لهم، وشيئًا فشيئًا ازدادت أعدادهم بمهاجرين جدد، وازداد ضدهم في الوقت نفسه ضيق الليبيين بهم لمنافستهم إياهم في أرزاقهم وأرضهم وتعاليهم عليهم، وطلب هؤلاء الأخارى عون مصر فأعانتهم عسكريًّا ولكن جيشها وقع في كمين ولم يعد منه غير القليل، فثار العائدون مع المواطنين ضد فرعونهم واح إب رع في مصر واتهموا بأنه دبر هذه الحملة ليتخلص من المحاربين المصريين في الجيش حتى يزداد تسلطًا على مصر، وأنه أسرف في احتضان الإغريق على حسابهم٥، وكان لكل من الاتهامين نصيب من الصحة فيما يبدو. وقد أزاد التذمر ضده ضيق الكهنة في عهده من إسرافه في منح مناصب المعابد لكبار موظفيه المدنيين٦.


١ Herodotus, Ii, ١٦١.
٢ إرميا ٢٨: ١، ٣٧: ١ - ٥.
٣ الملوك الثاني ٢٥: ٢٥ - ٢٦، إرميا ٤٤: ٣.
٤ Langdon, Die Newbabylonischen Konigsinschriften, ٢٠٧.
٥ Herodotus, Ii, ١٦١, ١٦٩; Iv, ١٥٩.
٦ J. Reymond, Asae, ١٩٥٧, ٢٥١ F.

<<  <   >  >>