للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وندب واح إب رع قائد جيشه "المصري" أحمس للتفاوض مع الثوار، ولكنهم اجتذبوه إلى صفوفهم وعهدوا إليه بزعامتهم فهاجم بهم الفرعون وأنصاره وأسره ويبدو أنه أجبره على إشراكه في الحكم معه. ثم تجدد القتال بينهما وقتل واح إب رع على أيدي الثوار أو اغتيل بأيدي أعوانه١.

وأصحبت حزازات الإغريق مع المصريين مشكلة عويصة، ردها هيرودوت إلى اختلاف العقائد بين الطرفين وروى أنه بلغ من أمرها أن المصريين كانوا يأنفون "أحيانًا" من تقبيل إغريقي أو استعمال أدواته الخاصة، كما ردها معه بعض المحدثين إلى اختلاف حضارتي الفريقين، وإلى اختلاف نظره كل منهما إلى الأخذ بأمور النظافة المادية والمعنوية "وقد أبدى هيرودوت عجبه من إسراف المتدينين المصريين في نظافتهم"٢ ولكل هذا صحته، ولكن دون أن نستبعد العامل القومي في القضية وتقدير مرارة المصريين من انتقال مقاليد الحرب والاقتصاد من بلدهم إلى أيدي دخلاء يسهل تقبلهم على الرحب والسعة إن كانوا قلة أو رضوا بالقليل، ولكن الإغريق غدوا كثرة ينعمون بالكثير، ويتبادلون النفع والانتفاع مع الحكام ولا سبيل إلى استهلاك تقاليدهم الإغريقية في المحيط المصري بسهولة, وأصبح على أحمس المصري، أو أمازيس كما اشتهر عند الإغريق أن يحل المشكلة بعد أن ولته مصر عرضها باسم خنم إب رع -أحمس- سانيت، وكان أميل إلى السلم والسياسة مرحًا ذكيًّا ساخرًا محبًّا للشراب يميل إلى الدعابة الشعبية٣، على عادة أغلب المصريين.

وفي هذه الظروف القلقة وخلال الحرب الأهلية انتهز نبوخذ نصر البابلي فرصته فهددت جيوشه الحدود المصرية ثم ارتدت عنها ربما بشيء من الهدايا والمصالحة على عدم الاعتداء٤.

ولأمر ما جامل أحمس الإغريق كما راعى مصالح المواطنين المصريين، ولعله أراد ألا يخسر صداقة العالم الإغريقي لو اشتد على الإغريق في بلده في عهد ظهرت فيه إرهاصات بأخطار جديدة من جانب الفرس، فأرضى الشعور الوطني أولًا بأن أمر بسحب القوات الإغريقية والمتأغرقة من حاميات الحدود وإسكانهم في أحياء خاصة من مدينة منف التي عاد إليها دور العاصمة الأولى، ليظلوا تحت رقابة بلاطه وليكونوا قلة في مجموع منف الكبير. كما عمل على إبعاد التجار الإغريق عن مناطق الاحتكاك المباشر بالمصريين، ومنعهم التجول في الأسواق المحلية ولكنه لم يحرمهم من حرية العمل جملة، وإنما سمح لهم بتركيز نشاطهم في بلدة نقراطيس، وهي بلدة تقع على الجانب الغربي من الفرع الكانوبي في نطاق الإقليم الصاوي، وتقوم على أنقاضها، نقرش وكوم جعيف قرب محافظة الإسكندرية أي في نطاق إقطاعيات الأسرة الحاكمة وتحت إشرافها. وكان الإغريق على معرفة بها منذ أن سمح بسماتيك الثاني لفريق من مهاجري ميليتوس بالإقامة فيها، فوسعوها وزادوا عمرانها ونظموا إدراتها المحلية على النسق الإغريقي، وأقاموا فيها معباد صغيرة لأبوللو وأفروديت


١ Daressy, Rec. Trav., Xxii, ١ F.; Breasted, Op. Cit., Iv, ١٠٠١ F.
٢ Herodotus, Ii, ٤١; Yoyotte, Histoire Universelle, ٢٤٥ F.; M.F. Gyles, Op. Cit., ٣٣-٣٤.
٣ Herodotus, Ii, ١٦٩; L. Spence, Myths And Legends Of Ancient Egypt, ١٩٤٩, ١٩٦.
٤ Weidomann, “Nebuchadnezar Und Aegyptenns”, Aez. Xvi, ٨٧ F.; Kienitz, Op. Cit., ٣٠; Gyies, Op. Cit., ٣٥.

<<  <   >  >>