للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرها، وجمعوا بين الأسلوبين المصري والإغريقي فصناعة الجعلان والفخار والتماثيل الصغير التي صدروها إلى مواني البحر المتوسط وجزره لا سيما جنوب إيطاليا وسردينيا. وكان السفن الإغريقية والمصرية تصلها بسهولة، وبهذا كانت سلفًا بعيدًا لميناء الإسكندرية من حيث الأداء١. واستمر أحمس في توثيق علاقات الود بالإغريق والمتأغرقين الخارجيين، وعقد حلفًا مع قرنيه، وذكر هيرودوت أنه تزوج منها كما تزوج من كريتية، وهادى المعابد الإغريقية. وترتب على ذلك أن اعتبره المؤرخون الإغريق أكثر الملوك الصاويين حنكة وحصافة وخلعوا عليه لقب Phihellene وأشادوا بنجاحه في تحقيق السلم الداخلي بين المصريين وبين الإغريق في ظروف عسيرة ودون التضحية بمصالح اقتصادية أو عسكرية.

ولسنا ندري حقيقة مشاعر المصريين إزاء إجراءاته، ولكن يبدو أنه ظل يتمتع بينهم بشعبية كبيرة. وقد نسب هيرودوت إليه أنه سن قانونًا يقضي على كل مصري بأن يتقدم سنويًّا لحاكم منطقته ليبين له مصادر كسبه ويثبت له حلالها من حرامها، وأن من أهمل ذلك أو عجز عن إثبات موارد رزقه حق عليه الإعدام، وأضاف أن المشرع الإغريقي سولون اقتبس هذا القانون وطبقه في أثينا٢. وقد يكون غرض أحمس من قانونه، فرض ضريبة على الدخل، أو الحد من البطالة والتواكل والكسب غير المشروع بين الناس. وعلى أية حال فإن روح السلام وحب الأمن الداخلي عند أحمس كلاهما لم يخبت طموحه، ولم تمنعه مجاملة الإغريق من منافستهم في البحر المتوسط، فاستولى أسطوله على جزيرة قبرس٣، ودل بذلك على قوة بحرية سبقت في نشاطها أساطيل البطالمة.

وتعدت سياسة العهد الحدود القريبة إلى ما هو أوسع، فعقدت مصر سلسلة من المعاهدات إتقاء خطر الفرس المرتقب بعد أن ارتفع شأوهم في هضاب إيران "راجع تاريخ العراق". وتحالف أحمس مع كرويسوس ملك ليديا العظيم وبوليكراتيس طاغية ساموس، وثمة فرض باحتمال امتداد الحلف إلى إسبارطه وبابل أيضًا٤. وبدأ قورش ملك الفرس بليديا، وثمة رواية تقول إن مصر أنجدت حليفتها بعشرة آلاف قاتلوا في صفوف متراصة وتترسوا بتروس كبيرة تستر الجسم كله. وانهار كرويسوس ودولته سريعًا، وأضافت الرواية أنه عز على قورش أن يتغلب على المحاربين المصريين بسهولة، فقدر شجاعتهم وأقطع من رغب في البقاء منهم مدينتين على ساحل آسيا الصغرى، وسواء صدقت هذه الروياة أم بالغت، فهي لا تخلو من دلالة على تقدير كفاية المصريين في نظر معاصريهم على الرغم مما شهدته مصر من نكبات في عصورها المتأخرة. وعقب قورش ببابل فابتلعها "راجع تاريخ العراق"، وأثرت ساموس الخضوع، وتبعها الفينيقيون،


١ Petrie, Naucratis, I-Ii; Prinz, Funde Aus Naukratis; Milne, Jea, ١٩٣٩, ١٧٧ F.
٢ Herodotus, Ii, ١٧٧.
وقد لا تخلو هذه النسبة من شك، على الرغم مما فيها من تمجيد المشرع المصري، إذا قدرنا أن تشريعات ولون التي صدرت عام ٥٩٤ أو عام ٥٩٠ق. م قد سبقت تولية أحمس في عام ٥٧٠ق. م.
٣ Herodotus,Ii, ١٨٢; Diodorus, ٦٨. ونسب ديودور بداية الحملات على قبرص إلى عهد أبريس.
٤ Herodotus, I, ٧٧; Ii, ٦٩-٧٠; Iii, ٣٩ F.

<<  <   >  >>