للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فألغى تنظيمات سلفه المتعسف، ودعا إلى الرجوع إلى ما كانت الأمور عليه في ظل التشريع الصوي، وأمر وإليه باختيار لجنة من حكماء البلاد كهنة وكتبة وعسكريين، لجمع التشريعات المصرية المعمول بها حتى العام الرابع والأربعين من حكم أمازيس وإعادة تدوينها بكل من الكتابتين المصرية والمسمارية، وهو عمل خدر الناس به وشغل به أصحابه نحو أربع أو خمس سنوات١، وقد كرر مثله في ولايات أخرى مما يدل على سياسة مرسومة. وحاول إنعاش الأوضاع الاقتصادية لمصلحة حكمه بطبيعة الحال، فأمر بإعادة شق ما طمسه الطمي والرمال من قناة نيكاو المؤدية إلى البحر الأحمر، مع نقش النصب التي أشادت بهذا العمل بكل من الهيروغليفية والمسمارية. وكان من دوافع هذا المشروع تيسير وصول سفن الجزى إلى فارس عن طريق البحر الأحمر والمحيط الهندي ثم الخليج الفارسي "أو العربي"، وكانت تبلغ أربعًا وعشرين سفينة سنويًّا، والتقليل من النشاط التجاري الملاحي المتجه إلى إغريق نقراطيس في غرب الدلتا، ثم اعتبار القناة مرحلة من مراحل تنشيط التجارة البحرية المتبادلة مع الهند٢. وليس من المستبعد أنه تبع الفرس في دخولهم إلى مصر واستقرارهم فيها أعداد أكثر من تجار البلاد الخاضعة لسلطتهم.

واعتبر الفرس مصر مجرد ولاية، ولكنها كانت في نظرهم أولى الولايات في غناها، أو الثانية على أقل تقدير، وكانوا يحملونها ما يبلغ ألف تالنت من الفضة "وقدر التالنت بستة وخمسين رطلًا" بين جزى ونفقات احتلال، ويستغلون من معادنها ما يعادل هذا المقدار٣. وعهدوا بأمرها إلى والٍ فارسي "خشاترا بافان وهو لقب حرف في اليونانية إلى ساتراب" ولكن هذا الوالي غالبًا ما كان يختار من أمراء الفرس؛ وقد يكون أخًا للملك الفارسي نفسه تقديرًا لأهمية منصبه. وكان يعوانه عدد من كبار الموظفين والجباة الفرس والبابليين والسوريين واليهود، يعملون لصالحه، إلى جانب قلة من كبار المصريين ترك بعضهم عدة مقابر في سقارة ذات آبار عميقة ونقوش تشبه النقوش الصاوية. ودخلت العملة مصر مع الفرس، ونسب إلى أول ولاتهم على مصر أنه سك عملة من الفضة الخالصة تدليلًا على ثرائه، وظهرت عملة ذهبية في عهد دارا٤. وكان من الطبيعي أن يجعل الولاة الفرس لكتابتهم المسمارية نصيبًا في تدوين أوامرهم إلى جانب الكتابة المصرية، واستعملوا معهما اللغة الأرامية مع أتباعهم الساميين واليهود٥. أما الدواوين المحلية فقد توسع كتبتها المصريون في استخدام الخط الديموطي المختصر وكعادة مصر، والبلاد العريقة المتحضرة، تقهر قاهريها بحضارتها، سمى بعض الفرس المقيمين في مصر أبناءهم بأسماء مصرية واتجهوا بدعواتهم إلى الأرباب المصريين، وأكمل ملوكهم بعض المعابد التي بدأها الصاويون، لا سيما في الدلتا والواحة الخارجة.


١ Diodomis, I, ٩٥; W. Spiegelberg, Die Sogenannte Demotische Chronik ١٩١٤, ٣٠ F.; Ed. Meyer, Sitz. Ak. Der Wissenschaften, ١٩١٥, ٢٨٧ F.
٢ Herodotus, Ii, ١٥٨; Iv, ٣٩; Pliny, Vi, ٢٦; Posener, Op. Cit., ٤٨ F., ١٠٨ F.; Chr. D’egypte, ١٩٣٨, ٢٥٩ F.; Kent, Jnes, ١٩٤٢, ٤١٥ F.
٣ Herodotus, Iii, ٨٩-٩٠; Ii, ١٣٩; Olmstead, History Of Persia, ٢٩٨; Gyles, Op. Cit., ٧٠.
٤ Herodotus, Iv, ١٦٦.
٥ Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ٣٦٩-٣٧٠.

<<  <   >  >>