للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤرخو الإغريق، الكثير في سبيل شرائها من إسبارطه ومن أثنيا معًا، فاستعاد خابرياس الأثيني إلى خدمته هو وعشرة آلاف من قومه، وفاوض أجيسيلاوس ملك إسبارطه العجوز ليستعين بخبرته فانضم إليه بألف من رجال "وكانت مصر قد أسلفت العون له بمددها الذي غرق عند رودس". وجند جدحر ثمانين ألفًا من المصريين والمهجنين، وأعد ما بين ٢٠٠ - ٣٠٠ سفينة وصله بعضها من آسيا الصغرى١، وتأهب للخروج بهم عبر الحدود لضرب جيوش الفرس خارج بلاده وليحرمهم من خيرات الشام ومراكز تجمعاتهم فيها، ولكن الأمور لم تكن هينة أمامه، فقد تنافس القائد الأثيني والملك الإسبارطي على القيادة العليا، وحل جدحر هذه المشكلة بأن تولى هو القيادة العليا، وعهد بقيادة المرتزقة كلهم إلى أجيسيلاوس الإسبارطي العجوز الذي بلغ الثمانين وظن أنه سوف يأتي برجاله الألف العجب العجاب، كما عهد بقيادة الأسطول إلى خابرياس الأثيني المغرور٢، ولكنه لم يستطع أن يستل الحقد من قلب أحدهما تجاه الآخر أو تجاهه هو. ولتموين جيشه الضخم، والإنفاق على مشروعه الكبير، ولإرضاء المرتزقة الذين أبوا أن يتسلموا أجورًا عينية كالعادة واتفقوا معه على أن يتسلموها نقدًا، رأي أنه لا بأس من فرض تضحيات اقتصادية على شعبه طيلة فترة الحرب وفي سبيل هدف أسمى، واستأنس في ذلك بمشورة خابرياس الأثيني، فأمر بمصادرة كثير من المعادن الثمينة في مصر، وحض الكهنة على التبرع بجانب من أملاكهم الخاصة والاكتفاء بإنفاق عشر المخصصات المرصودة للمعابد وتحويل بقيتها لخزائن الدولة حتى تنتهي الحرب، وحض كل مواطن على التبرع بجانب من مدخراته، وفرض نسبة ضريبية معينة على عمليات البيع والشراء، مع تعميم ضريبة العشر على الأرباح ومصادر الدخل المختلفة٣.

وعندما خرج الجيش اللجب إلى بلاد الشام لضرب الفرس فيها، أعاد إلى الأذهان ذكريات جيوش الدولة الحديثة وأمجادها، لولا أن أتاه الأذى من مأمنه، في مصر والشام معًا، ففي مصر انقلب على جدحر أخوه ونائبه على عرشه واستعان بتذمر الكهنة والمتضررين من الضرائب الجديدة التي رأوها تنصرف إلى المرتزقة الأجانب أكثر مما تصل إلى مواطنيهم. ولما كان هذا الأخ شيخًا استدعى ولده من جيش عمه ليقود الانقلاب بدلًا عنه. وفي الشام أحدثت أخبار الانقلاب انشقاقًا في صفوف الجيش، واختار المرتزقة صوالحهم، فانسحب خابرياس الأثيني بجنوده، وانضم أجيسيلاوس الإسبارطي بجماعته إلى ابن الأخ المطالب بالعرش وعاد معه إلى مصر ليتلقى جزاء تأييده له٤. وهنا لجأ جدحر كسيرا إلى صيداوروي منافسوه أنه طلب حق اللجوء السياسي بعد ذلك من الفرس، وهكذا أتت نهايته على غير ما أراده لنفسه وانتهى مشروعه إلى غير ما أمله فيه شعبه.


١ Gyles, Op. Cit., ٤٤; Xenophon, Agesilaus, Ii, ٢٧”.
٢ Diodorus, Xv, ٩, ٩٢; Gyles, Op. Cit., ٤٤ And Notes.
٣ Op. Cit., ٤٥ “After Ps. Aristotle, Oeconomica, Ii, ٢٥ F.; Polyaemus, Iii, ٥ F.”.
٤ Diodorus, Xvi, ٤٠, ٤٦, ٤٨; Gyles, Op. Cit.

<<  <   >  >>