للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسبارطه، ولكنهم كانوا من المقدونيين تحت زعامة الإسكندر الذي خرج من بلده بهدف عريض، وهو القضاء على إمبراطورية الفرس والحلول محلها في مناطق نفوذها وإذلال ملكها ومعاملته بما حاول إكسر كسيس الأول أن يعامل الإغريق به. وكانت دولة الفرس حينذاك كما عهدناها، دولة ضخمة الإمكانيات ضخمة الإمكانيات متسعة الأرجاء وفيرة الثراء تسيطر على الهلال الخصيب وأجزاء من الشرق الأوسط وتستطيع أن تجند جيوشًا ضخمة من رجالها ومن ولاياتها، ولكنهاكانت مع ذلك عجوزًا مهلهلة، مزقتها الخلافات الداخلية، وجمدت جيوشها عند أساليب حرب عتيقة، وكرهتها الشعوتب الخاضعة لها. وكان على رأسها ملك محبوب من رعيته وهو دارا الثالث، ولكنه كان ضعيف الإرادة بطيء التصرف سيئ الحظ. ولن نطيل في وصف انتصار الإسكندر عليه في موقعة إسوس قرب الإسكندرونة الحالية في نوفمبر ٣٣٣ق. م، ويكفي أن نضيف أن الإسكندر خطط لنفسه بعدها أن يحل محل الفرس في بلاد الشام ومصر حتى يحرمهم من مواردهما الضخمة ويحرمهم من سواحلهما الطويلة ومن اتخاذ موانيهما ملاجئ لأساطيلهم، ثم ينتفع بهذا كله ويضع أكبر موارد الغلال في الشرق في قبضته، ويؤمن ظهره إذا هاجم الفرس في عقر دارهم١. ومرة أخرى نتجاوز عن تفاصيل حروب الإسكندر في الشام، لنجد الوالي الفارسي في مصر يعلن التسليم له ويترك له مقاليدها. وعندما دخلها الإسكندر في خريف ٣٣٢ق. م ثوب منقذها من الفرس، لم يكن أعوانه أغرابًا عنها، فطالما عمل بعضهم مرتزقة في جيشها، وطالما شاركها بعضهم في معاداة الفرس. وعلى نحو ما عمل إغريق نقراطيس وسطاء في التجارة بينها وبين بلاد اليونان عملوا كذلك وسطاء بينها وبين الإسكندر. ولكن فات مصر أن إغريق اليوم غير إغريق الأمس، وأنهم أتوها يومئذ يعملون لحسابهم الخاص، مستعمرين وليسوا مأجورين، سادة وليسوا مرتزقة. وسلك الإسكندر في مصر مسلك النزيل الحصيف، فاحترم تقاليدها واحترم أربابها وتجشم مشقة الرحلة إلى معبد آمون مقر الوحي في واحة سيوة بقلب الصحراء الغربية، وادعى البنوة له واستلهم وحيه، فاعترف كهنته بالأمر الواقع وبشروا الإسكندر بما أراد أن يبشروه به من تأييد ربهم ونصره. ثم أشاع خلفاؤهم لإرضاء قومتيهم المغلوبة على أمرها، أن الإسكندر لم يكن غريبًا عن الأرض الكريمة التي دخلها، وأن ملكهم القومي الأخير نخت حرحب "نكتانبو الثاني" الذي خفي أمره كان قد نزح إلى مقدونيا تتلبسه روح آمون، حيث شغف بملكتها أولمبياس حبًّا وأنجب منها الإسكندر٢.

ولسنا ندري مدى تصديق المصريين لهذا التهريف، ولكن الغريب أنه على الرغم من كثرة ما ادعاه الإسكندر من البنوة لأرباب آخرين من الشرق ومن الغرب، ظلت بنوته لآمون لاصقة به لصوق بنوته لزيوس الإغريقي، بحيث حدث عندما اختصم رجاله معه في أواخر عهده وهم في قلب الهند أن نكصوا عن متابعته إلى الحرب والفتح قائلين له: "اذهب أنت وأبوك آمون فقاتلا"٣.


١ Cf J. Bury, Op. Cit., ٧٤٨ F., ٧٥٧ F.
٢ A. Moret, Du Caracteres Religeux De La Royaute Pharaonique, ٦٧-٦٨; “Psuedo-Callisthenes, ٤ F.”.
٣ Bury, Op. Cit., ٨١٦.

<<  <   >  >>