للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وساير الفنانون عقائدهم التي وعدت المؤمنين بالبعث برءاء من أعراض الضعف والمرض وعيوب البدن، فنحتوا هذه التماثيل في هيئات صحيحة قوية مستبشرة، ولم يمثلوا فيها عيوب البدن إلا في مرات نادرة. وغالبًا ما صحبت تماثيل المتوفى تماثيل أخرى صغيرة لخدمه وجواريه، كل بعمله الذي تخصص فيه، ابتغاء أن تنتفع روحه بمجهودات أعمالهم في الآخرة كما تنتفع بصورهم في مناظر المقبرة. ثم تماثيل أخرى صغيرة تسمى الرشابتي يقوم بعضها بدور المجيب عن صاحبه حين يُدعى لشأن من شئون الآخرة، ويقوم بعضها الآخر بدور التابع المسخر لأداء ما يأنف صاحبه من أدائه من أعمال في الآخرة١.

وليس أدل على أن المصريين لم يعملوا لتقبل الموت بقدر ما عملوا للتغلب عليه من آية التحنيط التي حفظت على جثث كبارهم خواص تقاطيعها، وجلودها وشعورها، وأصابعها بأظفارها، على الرغم من مرور ما بين ثالثة آلاف وثالثة آلاف وخمسمائة عام عليها. ومعروف ما استهدفه المصريون من التحنيط من حيث الرغبة في الإبقاء على الجسم سليمًا واضح الملامح بقدر الإمكان، رعاية لصاحبه، وضمانًا لبعثه، وتشجيعًا لروحه على أن تأنس إليه وتتلبسه. وقد سكلوا في سبيل التحنيط مراحل وتجارب عدة، ندع تفاصيلها وتتابعها التاريخي لبحث آخر تالٍ، ويكفي أن نذكر أنهم وصلوا إلى كما التحنيط في الدولة الحديثة. ويفهم مما احتفظت به نصوص معدودات ومما سجله المؤرخان هيرودوت وديودور، ومما انتهى إليه الأخصائيون المحدثون٢، أن البطن كانت تشق من جانبها بشفرة ظزانية رقيقة لتستخرج منها أحشاء الفراغ البطني والفراغ الصدري فيما عدا القلب، وقد يستخرج المخ من الرأس أيضًا، ثم تعالج كل من هذه بمواد معينة وتلف على حدة وتوضع في تجاويف الجسم ثانية. أو توضع في أوانٍ فاخرة تناسب صاحبها وتحاط بمواد تحفظ عليها كيانها وتمنع فسادها، مع الاعتقاد في إيكال رعايتها إلى أبناء الإله حور الأربعة، وحينئذ تملأ فراغاتها في الجسم بالراتنجات والصموغ والنشارة وما يماثلها أما المواد الأساسية المستعملة لكي تتشرب دهنيات الجسم وشحومه وعفونته، وتكسبه النقاء والجفاف والرائحة الزكية، فكان منها فيما يعرف حى الآن: النطرون وشمع العسل والقرفة والكاسيا والبصل وأنواع من الراتنجات الصمغية وحبوب العرعر وزيته وزيت الأرز وزيت الزيتون، والمر والمستكة والحناء، وكل ذلك بنسب وطرق لا تزال تحوطها الأسرار حتى الآن. وأضاف محنطو عصر الأسرة الحادية والعشرين خطوة قد تحتسب لهم أو عليهم، وهي معالجة تقلصات الأعضاء في بعض أجزاء الجسم حين التحنيط بحشو ما تحت الجلد بمواد مختلفة حتى تنبسط وتتخذ شكلها الأصيل، وحشو الصدغين أحيانًا حتى يتخذا امتلاءهما الطبيعي، وملء تجويف العين بما يرد عليها حيويتها. وشيئًا فشيئًا شاع استخدام التحينط لكل من يقدر على نفقاته من أفراد الشعب، وأصبحت له ثلاث مراتب كما روى هيرودوت تتفاوت


١ Speleere, Les Gurines Egyptiennes, Bruxelles, ١٩٢٣.
٢ Ef. Pap Boul. Iii; Pap. Louver ٥١٥٨; Herodotus, Ii, ٨٨ F.; Diodorus, I, ٩١ F.; Dawson, Jea, Xiii, ٤٠ F.; E. Smith And Dawson, Egyptian Mummies, ١٩٢٤; K, Sethe, Zur Geschichte Der Einbalsmierung Bei Der Aegypter..., ١٩٣٤; A. Lucas, Ancient Egyptian Materials And Industries, ١٩٤٨, Ch. Xii And Notes.

<<  <   >  >>