للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تكاليفها ومدى إتقانها، كما تتفاوت في فتراتها. بين أيام معدودات، وبين سبعين يومًا أو ما هو أكثر. وكان تمام عملية التحنيط فيما يسبقها ويصحبها ويتلوها من عمليات الغسل والتنظيف والتطهير والتعطير واللف والتكفين ثم وضع التمائم، لا سيما تميمة القلب، والحلي والأقنعة الذهبية، وكتابة الاسم والألقاب ونصوص الدين، فضلًا عما يتلى عليها من الرقى والإشارات الرمزية إلى فتح الفم وتنشيط الحواس، وما إلى ذلك مما ابتدعه الكهان وبرعوا فيه واعتمدوا في معيشتهم عليه.

ولم يكن للخطوات السابقة من أثر، في عرف المصريين، إلا بفضل ما يُتلى عليها من تراتيل السحر والدين، عند الوفاة، وعند الغسل والتطهير، وعند الدفن، وعند تقديم القرابين، وعند إجراء الصلوات في مقاصير المقابر وهياكل المعباد. وأوسع المصادر الدينية حظًّا فيما تضمنته من هذه التراتيل، وأوسعها تعبيرًا عن عقائد ما بعد الموت وتطورها من عصر إلى عصر، هي: متون الأهرام، ومتون التوابيت، وكتب الموتى. وقد استشهدنا ببعض خصائص المصدرين الأولين منها، خلال حديثنا عن التطور الحضاري للنصف الثاني من الدولة القديمة بالنسبة لمتون الأهرام، وخلال عصر اللامركزية الأولى بالنسبة لمتون التوابيت. وأسلفنا عن متون الأهرام التي بدأ تسجيلها في باطن أهرام الملوك منذ نهاية عصر الأسرة الخامسة حتى نهاية الدولة القديمة "ثم في العصر الصاوي"، أنها لم تكن وليدة عصر كتابتها وحده وإنما كانت من تراث عصور طويلة سابقة وإنتاج كفايات فكرية متباينة، لهذا تضمنت صورًا أخروية ودنيوية وأسطورية وفلسفية، بعضها بدائي مضطرب، وبعضها راقٍ منطقي.

وظهرت متون التوابيت، فيما مر بنا، منذ أواخر الدولة القديمة١، وزادت حصيلتها وتنوعت مذاهبها في عصر الانتقال الأول في الدولة الوسطى، واقتبس الكهان بعض أورادها من متون الأهرام، ثم ألقوا بقيتها بما يتناسب مع عهودهم المتتالية وآمال الناس فيها. وكان من أهم ظواهرها تلقب كل متوفى فيها بلقب "أوزير" أملًا في أن ينعم في الآخرة بما نعم به ويخلد فيها مثل خلوده. وكان هذا اللقب في بدايته قاصرًا على الفرعون باعتباره وريث أوزير في الدنيا والآخرة، فلما اهتزت أركان الملكية في أواخر الدولة القديمة، انتحل حكام الأقاليم امتيازاتها الدينية ورجوا لأنفسهم في الآخرة ما كان الفراعنة يرجونه لأنفسهم، وتلقبوا مثلهم بلقب أوزير، ثم قلدهم في ذلك من تحتهم حتى شاع اللقب وأصبح أملًا عامًّا لكل إنسان٢.

ولم تؤدِ متوت التوابيت إلى الاستغناء عن نقش متون دينية أخرى على الجدران، ثم لم تغنِ هذه ولا تلك عن ظهور موسوعات دينية جديدة في الدولة الحديثة، وهي كتب الموتى التي أصبحت تكتب على أدراج متفاوتة الأطوال من البردي وتحفظ مع المتوفى في تابوته أو توضع بين أكفانه. ولم تكن في حقيقة أمرها كتابًا يلتزم ترتيبًا معينًا، ويتحدد ببداية أو نهاية، ومن أجل هذا عدلنا عن تسميتها بالاسم الشائع لها وهو كتاب الموتى، وإنما كانت فصولًا دينية متفرقة تطور بعضها عن متون التوابيت، وألف بعضها الآخر بما


١ Speleers, Textes Des Cercueils, ١٩٤٧; A. De Buck, The Egyptian Coffin Texts, ١٩٣٥ F.; R.O. Faulkner, The Ancient Egyptian Coffin Texts, I-Iii.
٢ Moyen A. Moret, “Laccession De La Plebe Egyptienne Aux Droits Religeux Et Politiques Sous Le Empire”, Rec. D’etudes Eg., ١٩٢٢, ٢٣١ F.

<<  <   >  >>