للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونادى باتا أخاه: إذا ظننت بي السوء فهلا تذكرت لي خيرًا فعلته من أجلك؟ عد إلى دارك واجمع ماشيتك فلن أمكث في أرض تعيش فيها، وسأذهب إلى وادي الأرز وعليك أن تسرع إلى مساعدتي إذا علمت أن سوءًا ألم بي، فلسوف أنتزع قلبي وأضعه فوق شجرة أرز، فإن حدث أن قطع أحد الشجرة وسقط قلبي فابحث عنه، ولا تمل البحث ولو أنفقت في البحث سبع سنين. فإذا وجدته ضعه في ماء بارد، ترد عليَّ الحياة. ولسوف تعلم آية سقوطه حين تقدم إليك كأس جعة فتجدها أزبدت واعتكرت، فإن حدث ذلك فلا تتوان في الرحيل إليَّ. وانطلق الفتى إلى حال سبيله ورجع أخوه إلى داره يحثو التراب على شعره ويضع يده على رأسه، ثم اندفع هائجًا فذبح زوجته ورمى جسدها إلى الكلاب، وعاش يبكي أخاه.

ومضت القصة في الخيال، فروت أن باتا فارق مصر إلى وادي الأرز في لبنان، وأن الأرباب عوضوه عن تضحيته بأنثى بارعة الجمال، أحبها وأخلص لها، ولكنها عاشرته على دخل، ربما لأنه أصبح عنينًا ثم نقل البحر خصلة من شعرها إلى فرعون مصر، فسحره عطرها، وأرسل رسله يبحثون عن صاحبتها فقتلهم باتا إلا واحدًا عاد إليه يخبره بمقتل زملائه. فأرسل الفرعون إليه جماعة أخرى ومنهم امرأة عجوز تحمل إليها هداياه، فقبلت الزوجة عطاياه وانجذبت إلى سلطانه، وصحبت رسله وسافرت إليه وتقربت منه، وأوحت إليه بإهلاك زوجها وقطع الشجرة التي ائتمنها على قلبه، فاستجاب الفرعون لكيدها، وأمر بقطع الشجرة فمات باتا ولكن أخاه تنبه إلى آية اعتكار كأس الجعة فظل يبحث عن قلب أخيه ثلاث سنين حتى وجده ودعا للأرباب فبعثوه في خلق جديد، وأراد باتا أن يرد على زوجته عاقبة غدرها، فتنكر لها في هيئة فحل شديد مرة، وهيئة شجرة مثمرة مرة، وكلما كشفت أمره حرضت زوجها الفرعون على إهلاكه، ولكنها ظلت تحيا في نعيم فاتر وقلق متصل حتى غلب الحق، وعوض الأرباب زوجها القديم بعرش مصر وملكها العريض، فقبض عليها وتحاكم معها إلى قضائه، فأدانوها ولقيت حتفها جزاء غدرها.

<<  <   >  >>