للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشي شأنها في ذلك شأن الكتابة المصرية في بداية ظهورها. وعثر على بعض نماذج هذا الطور الكتابي على لوح حجري صغير رقيق من مدينه كيش صورت علاماته التصويرية ما يمثل الوجه والقدم وواجهة المسكن وما إليها داخل مستطيلات متسعة تتحدد بخطوط تفصل بين كل واحد منها والآخر. ونموذج ضغير آخر نقشت علاماته التصويرية في مستطيلات ضيقة تتعاقب في أنهر رأسية١. ثم تطورت الكتابة على أيدي السومريين بخاصة إلى المرحلة الصوتية التي تؤدي علاماتها وصورها وظائف المقاطع الصوتية ويقصد بها لفظها أكثر من شكلها ويمكن التعبير عن المعنويات، ومن ذلك استخدام الصورة المختصرة للجذع الأعلى للإنسان للدلالة على المقطع "لو" الذي يعبر عن معنى رجل أو إنسان، وفقا لسياق الكلام. واستخدام الصورة المختصرة لجريان الماء للتعبير عن الماء "آ" وعلى حرف "في". واستخدام صورة السمكة للدلالة على السمكة "خا" وللتعبير عما يوازي لفظ "لعل". واستخدام صورة النجم للتعبير عن اللفظ "آن"، وعن السماء، وعن لفظ إله "دنجر"، وعن معنى السمو، فضلًا عن دلالتها على النجم نفسه وعثر على عشرات اللوحات في الوركاء، قد ترجع كتابتها إلى هذا الطور التصويري المقطعي٢.

وزاد السومريون علاماتهم المقطعية الصوتية مع توالي الزمن واستمرار الخبرة حتى أوفت بمطالب حضارتهم، وبلغت أشكالها مبلغًا عدديًّا كبيرًا، ثم عادوا فيسروها عن طريق تركيز أعدادها وأشكالها، واتجهوا بها وجهة خطية، فقللوا انحناءاتها ودوائرها كيما تتناسب خطوطها الحادة الجديدة مع طبيعة اللوحات الطينية اللينة التي استحبوا الكتابة عليها ووجدوها أقرب في التناول وأيسر في الكلفة من قطع الحجر، وهي لوحات كانوا يتخيرون طميها نقيًّا ناعمًا ويصبونه في قوالب ذات أشكال متعارف عليها، فتخرج اللوحة على هيئة القرص مسطحة الوجهين، أوعلى هيئة ربع الدائرة مستوية السطح محدبة الظهر، أو على هيئة المسطيل، وقليلًا ما تكون على هيئة المخروط. وقد يتركونها على حالها بعد الكتابة أو يجففونها في حرارة عادية بحيث تكتسب صلابة مناسبة، ويلفون أهمها بنسيج يمهرونه بختم صاحبها فوق قطعة من الطين اللزج، لا سيما إذا كانت لوحة لها اعتبارها أو كانت ستنقل من مكان إلى آخر على هيئة الرسالة. وشاعت هيئة الاستطالة في الألواح منذ خواتيم العصر السومري القديم، وأصبحت اللوحات الهامة منها تحرق في أفران وتحفظ في أغلفة طينية بعد أن ينثر عليها قليل من مسحوق الطمي الجاف ليمنع التصاقها بغلافها، ذلك الغلاف الذي كان يجب كسره مرة ثانية بطبيعة الحال قبل قراءة لوحته الداخلية.

وكتب السومريون عباراتهم في بداية عصورهم دون ترتيب ثابت "في مثل نص أوتوج حاكم كيش على نذر للمعبود إنليل، ونص على رأس مقمعة ميسيلم حاكم كيش أيضًا". ثم أصبحوا يرتبون عباراتهم في أنهر رأسية يفصل بين كل نهر منها وآخر خط رأسي "في مثل لوحة أورنانشه ولوحة إياناتم". وكانوا يبدءونها من اليمين أو من اليسار. ثم انتهو أخيرًا إلى تفضيل السطور الأفقية. وكان منهم يكتبون وجهي


١ C. Leonard Woolley, Ur Excavations, Figs. ١, ٢.
٢ طه باقر - مجلة سومر ١٩٦١.

<<  <   >  >>