للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولياء والقديسين، اتخذهم الأفراد رعاة شخصيين وحماة وشفعاء لهم لدى الأرباب الكبار الذين تخيلوهم بعيدين عن مستوى دنياهم، بعيدين عن آفاق عقولهم ولم يكن أحدهم يجد بأسًا من أن يعتبر معبوده الخاص "أو معبود أسرته" "راعيه الموكل به" و"ربه وأباه المقدس الذي أنجبه".

وتصور السومريون أربابهم بهيئات بشرية كما أسلفنا، كما رمزوا إليهم بهيئات الحيوانات والطيور، وصوروا أغلب رموزهم الحيوانية في هيئات مركبة، ومن ذلك القبيل أن رمزوا إلى معبودهم نين جيرسو بهيئة نسر مهيب بجناحين كبيرين ورأس أسد "أو رأس لبوءة"، وكانوا إذا صوروه على هيئة بشرية جعلوا وجه الأسد شعارًا لردائة أو لمقعد عرضه، أو لموطئ قدميه.

وفي خلق البشر وأسبابه ظهرت للسومريين تقديرات طريفة تعتمد في مجملها على الإيمان بأن الناس ما خلقوا إلا ليعبدوا الأرباب ويخدموهم ويوفروا القرابين لمعابدهم. وشاعت لهم في هذا السبيل روايات شتى أغلبها مضطرب مختلط، ويفهم من بعضها أن أربابهم عاشوا في بداية خلقهم هائمين كالسوائم، لا يقدرون على شيء من أمرهم. حتى خلق الإله الأكبر الأنعام من أجلهم ووكل بها "لهار"، وأنبت الغلال ووكل بها "أشنان" "أخت لهار"، فطعموا ونعموا، ولكنهم لم يحسوا للشبع والري طعمًا، فاتجهوا بضراعتهم إلى الحكيم "إنكي" الذي كان حتى ذلك الحين سادرا في مياه العمق غير عابئ بهم، ووسطوا لديه أمه نمو "روح الأمومة في المحيط الأزلي" فبثت ضراعتهم إليه وقالت له فيما قالت: " ... قم إذن يا بني، ولنصنع شيئًا لائقًا، لنصنع "بشرًا" عبيدًا للأرباب ... "، فاستجاب لها وقال لها "أماه، إن الكائن الذي نطقت باسمه موجود، فاربطي عليه صورة الآلهة "؟ "، اضربي لب الطين الموجود فوق مياه العمق، واجعلي أعوانك يكثفون الطين جيدًا، وشكلي أنت له أعضاءه وجوارحه، وستعمل ننماخ من فوق يدك .. ، قدري مصيره يا أماه، وستربط ننماخ عليه صورة الآلهة، ذلك هو الإنسان ... ". وأرادت الأساطير أن تعلل خلق ناقصي التكوين بمنطقها، فروت أن إنكي وننماخ "زوجته؟ " أسرفا ذات مرة في الشراب، فقبضت قبضة من طين مياه العمق "وأرادت أن تقلد نمو"، وخلقت منها ستة أنواع، فخرجوا شواذًا "ومنهم المرأة العقيم ... والمخنث"، وشاء إنكي أن يلهو بدوره ويجرب حظه من الخلق، فقبض قبضة من الطين وشكلها، ولكنه فشل وصنع مخلوقًا لا روح فيه، لا يعرف الكلام ولا أكل الطعام ... ١.

وتخيل السومريون في بداية الخلق عصرًا ذهبيًّا، انعقدت الهيمنة فيه للمعبود "إنليل". وصورت إحدى أساطيرهم المتأخرة مظاهر ذلك العصر فقالت إنه لم يكن في الوجود حينذاك حية أو عقرب، ولا ضبع ولا سبع، ولا كلب بري ولا ذئب، وما من خوف ولا فزع، ولم يكن للإنسان منافس. وفي غابر الأزمان كان بلاد شوبر وهمازي "في غرب إيران؟ "، وبلاد سومر كثيرة الخيرات، البلد العظيم ذو النواميس المقدسة الخاصة بالإمارة، وبلاد أوري "وسط بلاد النهرين وشمالها؟ " التي حوت كل طريف،


١ Kramer, Sumerian Mythology, ٦٨ F.;
كرامر: المرجع السابق - الفصل ١٣.

<<  <   >  >>