للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومهما يكن من أمر تقدير إصلاحات أوروكاجينا باعتبارها مجرد تنظيمات إدراية أو باعتبارها بداية متواضعة لتشريعات العراق، فإنه يبدو أن عصره كان يتطلب منهاجًا آخر إلى جانب منهاج الإصلاح الداخلي، فقد ظهر في أوما عدوة لجش اللدود حاكم طموح وهو لوجال زاجيزي، استفاد من انصراف أهل لجش إلى حياة السلم، فهاجمهم بجيشه وضرب مدينتهم وأساء إلى ملكهم، وسجل أحد كتبة لجش ما أصاب بلده منه على لسان ملكه التقي، فصور كيف اعتدى رجال أوما على هياكل الأرباب وأملاكهم وكيف نهبوا مدخراتها وحرقوها، وعقب على ذلك بقوله "آذي رجال أوما لجش فاثموا في حق نين جرسو". ثم توعدهم القصاص العادل فتنبأ لهم بأنهم سوف يفقدون بأسهم، وبرر ذلك بقوله إنه ما من ذنب جناه ملكه، ملك جيرسو، ولكن الذنب كله ذنب زاجيزي، ولهذا فلن يحتمل إثمه وحده، وإنما سوف تحتمله معه ربته نيدابا "أونيسابا" فوق عنقها١. ومعنى ذلك أن الناس كما كانوا يعتقدون أم المعبودات تشارك الحكام انتصاراتهم كانوا يعتقدون أنها تشاركهم أخطاءهم أيضًا.

وتجرأ زاجيزي بنصره فبدأ في تنفيذ مشروع لم يجرء أسلافه على المضي في تنفيذه، وهو مشروع توحيد المدن السومرية تحت زعامته، ونقل مركز نشاطه إلى أوروك، واعتبر نفسه ملكًا على سومر "لوجال كلاما"، "وربما سبقه إلى هذا الادعاء حاكم آخر يدعى إنشاكو شانا ولكن لم يتحقق له مدلول ادعائه"٢. ولم يهمل لوجال زاجيزي الاستعانة بالدين وأربابه فادعى أن أرباب سومر رعوه ورددوا اسمه ونصبوه في هياكلهم إنسيا للبلاد كلها، وظن يعتبر نفسه كاهنًا للإله آن إله أوروك الأكبر. وكان له في نفسه رأي آخر يختلف عن رأي أهل لجش فيه، فكتب أحد رجاله يقول على لسانه بعد أن عدد صلة مولاه بأربابه "عندما عهد إنليل رب الدنيا بملكية هذه الأرض إلى لوجال زاجيزي، أقر العدالة في الأرض وغلب بأسه البلاد من مشرق الشمس إلى مغربها، وفرض الجزى على أهلها. وحقت السيادة لإنليل حينذاك من البحر الأسفل والدجلة والفرات، إلى البحر الأعلى، واستقرت أحوال البلاد في سلام، وسقيت الأرض بماء السعادة .. " ثم دعا زاجيزي لنفسه بقوله؛ أدام "الإله" عمري أمد الحياة، ونشر السلام على الأرض، وأزاد الجنود "أو الناس" بعدد حشائش الأرض ... "٣. ولعله رأى أن توحيد البلاد غاية غالية تبرر ما يبذله من أجلها وما يمكن أن يلحق بالغير من أذى في سبيلها، وأنه كان في إعلاء شأن دولته إعلاء لشأن ربه إنليل، وأن حربه كانت حربًا مقدسة. ولم تقف آمال زاجيزي عند حدود بلده، وإنما تطلع إلى ما يمتد من البحر الأسفل "الخليج العربي" إلى البحر الأعلى "البحر المتوسط أو بحر قزوين؟ "، على حد قوله، وربما كانت له جهوده بالفعل في سبيل تحقيق أطماعه، لولا أن واجهته بوادر تغيير شامل سرت في أوصال بلاد العراق كلها وقضت على آماله جميعها، وكان أصحاب هذا التغيير هم الأكديون الساميون.


١ Op. Cit., ٩٠-٩١; Vorderasiatische Bibliothek, I, ٥٨.
٢ ل. ديلابورت: المرجع السابق - ص١٩.
٣ Thureau-Dangin, Konigsinschriften, ٢١٩; G.A. Barton, Op. Cit., ٩٨-٩٩.

<<  <   >  >>