للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيما يلي على استخدام هذا الاسم الأخير لشيوعه على الرغم من تحريفه. ووجه الرجل عنايته منذ أيام حكمه الأولى إلى قواته المحاربة، وزاد الاهتمام منذ عهده بتقوية الفرق ذات الأسلحة الخفيفة من القواسة، واستخدام الأسلحة البرونزية، وارتقت في جيشه أساليب المبارزة الفردية، وذلك مما يتفق مع الأصل البدوي له ولبني جلدته في الجيش.

اتخذ سرجون عاصمة جديدة قريبة من كيش عرفها التاريخ باسم أجاده "السومري" واسم أكد "السامي" أو عمر على تجديدها، ربما باعتبارها من المراكز الرئيسية لعبادة الربة إشتار "أو عشتار" التي اعتبرها راعيته منذ صغره، وكان معبدها فيها يسمى "يولماش "١، ونقل إليها بلاطه ليتميز عهده عن عهود من سبقوه شكلًا وموضوعًا، ومهد لآماله الداخلية بتلقيب نفسه بلقب "ملك "أرض" سومر وآكد" " Sharru Mat Shumeri U Akkade" بعد أن قصرت همة معاصره زاجيزي السومري على لقب ملك سومر وحدها. ثم مهد لأطماعه الخارجية بأن ادعى لنفسه لقب "شاركبرات أربعيم"، أي ملك الجهات "أو الأركان أو المناطق" الأربع٢، وهو لقب اعتاد أسلافه أن يصفوا به سلطان أربابهم الكبار، فانتحله لنفسه وابتغى أن يقنع به نفسه ويقنع شعبه بأنه نائب الأرباب على جهات الأرض كلها.

وطال عهد سرجون نحو أربع وخمسين عامًا، فاستطاع أن يحقق الكثير من آماله، وسارت سياسته على أساس خطة مرسومة، وبدأ بما هو أقرب إليه، فدعم سيطرته على أصحاب الرءوس السود، على حد تعبير نصوصه، ثم اتجه إلى شمال العراق حيث تقل سيطرة السومريين، وواصل فتوحه هناك حتى بلغت جيوشه جبال زاجوراس التي تحف ببلاد النهرين وكسرت حدة الجوتيين الجبليين الأشداء، بأسلحتها البرونزية، ثم عاد سرجون وألقى بثقل جيوشه على المناطق الجنوبية السومرية بعد أن سبقته شهرته وسمعة انتصاراته إليه فخضت من شوكتها، وشدد على زعيمها الطموح زاجيزي الذي طال عهده، فهدم بجيشه أسوار مدينته وقسا في معاملته حتى ذكرت نصوصه أنه أمر بتطويق عنقه وجره حتى بوابة إنليل٣، ربما ليخلع عنه ألقابه الدينية والدنيوية أمام المعبود إنليل ويخلعها على نفسه، ثم هاجم بجيوشه بقية المدن السومرية الكبيرة من أمثال أور وإنينمار وغيرها، وبلغ بجيوشه البحر "أي الخليج العربي" وغسل سلاحه فيه، وحق له حينذاك لقبه الذي ادعاه لنفسه وهلو لقب ملك أرض سومر وأكد، وتوفرت لدولته الموحدة منذ ذلك الحين إمكانيات بشرية وموارد مادية ضخمة لم تتهيأ لدويلات المدن السومرية أو السامية القديمة قبل عهده، كما توفرت لها السيطرة على شرايين التجارة الرئيسية في معظم بلاد النهرين.

وبقي لسرجون أمله الآخر، وهو السيطرة على ما يستطيع السيطرة عليه فيما وراء حدود بلاده، لتأمين سلامتها وتأمين سبل تجارتها الخارجية وضمان تزويدها بما ينقصها من المواد الأولية، فضلًا عن إشباع شهوة


١ Th. J. Meek, Anet, ١٦٥, N. ٣٣.
٢ وأزى هذا اللقب لقب سومري تتألف كتابته من المقاطع "آن - أوب - دا - لمو - با"، ثم عبر الآشوريون عن مثله بلقب "شاركشتي" بمعنى ملك السكون.
٣ G.A. Barton, Op. Cit., ١٠١; Leo Oppenheim, Anet, ٢٦٧.

<<  <   >  >>