للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجد الحربي عنده وحب الشهرة والرغبة في الاستزادة من النفوذ والسلطان. فوجه جيوشه إلى التخوم الغربية لدولته، وبدأ بالمنطقة المحيطة بدويلة ماري "وجعل فمها واحدًا"١ أي وحده كلمتها أو وحد حكمها تحت سلطانه، ثم وجه جيوشه إلى الحدود الغربية لدولة إلام "عيلام"، حيث حالفها النصر، فترتب على ذلك أن وقفت إلام كما وقفت ماري موقف الطاعة منه على حد رواية نصوصه. وأصبح لدولته بعض الإشراف على المناطق التجارية المتصلة بالخليج العربي والقريبة منه، مثل جزيرة دلمون "جزيرة البحرين"، وماجان التي يحتمل أنها كانت تشغل ما تشغله عمان الحالية، وملوخا التي يحتمل وقوعها بين المنطقتين السابقتين. وكانت ثلاثتها من البلاد البحرية والساحلية ذات الخبرة بالملاحة وصناعة السفن، فسارت سفنها على مياه أكد، على حد قوله، أو بمعنى آخر سارت السفن المصنوعة من أخشابها وبأيدي رجالها في الفرات حتى جاوزت عصامته أكد.

وأضافت نصوص سرجون، إن حقًّا وإن ادعاء، أن سلطانه امتد حتى غابة الأرز وجبل الفضة، وقد يعني هذا بلوغه منطقة أمانوس المنتجة للأخشاب والفضة "إن لم يعن منطقتي لبنان وطوروس". وذكرت أنه خاض أربعًا وثلاثين معركة وانتصر فيها٢. ثم نسبت إليه نصوص خلفائه أنه غزا جانيش "أوبور شخاندا - قرب جول تبة الحالية" في كبادوكيا بآسيا الصغرى انتصارًا لجالية أكدية كانت تتعامل فيها في الصوف والفضة وتعرضت لاضطهاد أحد الحكام المحليين فيها "وهو نورداجان ملك بورشخاندا"، فأخذ سرجون بثأرها. وهاجمتها جيوشه، وقيل إن رجاله أرسلوا منها فسائل جديدة من التين والكروم والأزهار إلى بساتين عاصمته٣. ولا ضرورة للتسليم بحرفية هذه الرواية وأشباهها، وإن لم تخل من دلالة على ما توافر للرجل من شهرة بين خلفائه بحيث اعتبروه أهلًا لكل أمر عظيم واعتبروا نهضة عهده أصلًا لامتداد نفوذهم الخارجي ودليلًا على قدمه. وتذكرنا نجدة سرجون في أكد لمواطنيه في آسيا الصغرى بنجدة المعتصم في بغداد المجاورة لها لمن استنجدت به من عمورية بآسيا الصغرى - مع الفارق الزمني الكبير بينهما.

ذاعت شهرة سرجون إلى هذه الحدود في عالمه القديم، وذكرت نصوصه أن أهل بلاطه سكنوا فيما لا يقل عن خمسة أميال مربعة حول قصره، وأن حراس قصره بلغوا ٥٤٠٠ جندي كانوا يأكلون يوميًّا من أسمطنه٤. وليس من شك في أن عهد هذا الرجل يعتبر نقطة تحول رئيسية في تاريخ بلاد النهرين لأكثر من سبب واحد: فهو كما رأينا كان أول من عمل على توحيد أغلبها تحت زعامة سياسة واحدة، بينما لم تزد آمال سابقيه الأقربين على توحيد أرض سومر وحدها، وهو أول من ثبت دعائم أسرة سامية حاكمة


١ Brit. Mus., ٢٦, ٤٧٢; Oppenheim, Op. Cit., ٢٦٦.
٢ Anno Poebel, Historical Texts, ١٩١٤, ١٧٥, ١٧٨; L. Oppenheim, Op. Cit., ٢٦٨.
٣ Boghazkoi-Studien “Yale Oriental Series”, Fasc. ٦; Albright, Jsor, ١٩٢٣, ١ F.
ل. ديلابورت: المرجع السابق - ص٣٣ - وروى عن سرجون أنه وصل "أي وصل نفوذه" حتى كفتارة، وقد قربها بعض الباحثين إلى كفتورة التوراة أو كريت الحالية، وهو أمر مشكوك فيه. G. Roux, Ancient Iraq, ١٩٦٦, ١٤٣.
٤ Ebeling, In Alt. Texte Zum Alten Testament, ٣٣٨; Oppenheim, Op. Cit., ٢٦٨.

<<  <   >  >>