للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي اليوم الموعود هبت الأعاصير هبة عنيفة وأطاحت بالعواصم ومراكز العبادة وصحبها فيضان كاسح، واستمر ذلك سبعة أيام وسبع ليال اكتسح الفيضان الأرض فيها ودفع السفينة قدمًا ...

وبعد فترة ما بزغ المعبود أوتو رب الشمس فأنار السماء والأرض، وفتح زبوسدرا فتحة في جدار سفينته وتطلع منها فرأى أشعة أنوار ربه، وعلم بصفحه، فركع وضحى من أجله بفحل وشاة: كما استرضى بقية الأرباب الكبار.

ونادى آن وإنليل: "نسمة السماء ... نسمة الأرض"، فظهرت الخضرة على الأرض من جديد ونما النبات، ووهب الرب الأكبر زيوسدرا حياة سرمدية، فعاش في أرض العبور أرض دلمون، دار الشروق على البحر، وكان خلوده سببًا في الحفاظ على النبات وعلى سلالة البشر والاحتفاظ بأسمائهم.

ويحتمل من سياق لوح صغير أن زيوسدرا كان قد تلقى الحكمة عن أبيه شوروباك أحد ملوك ما قبل الطوفان، وورد في وصاياه أنه شوروباك بن وبرتوتو، وكان من قوله لولده: نصيحة أقدمها لك فتقبل نصيحتي، وكلمة أقولها لك، فأعرها سمعك، ولا تهمل وصيتي ولا تتعد كلمتي. وقوله: لا ينبغي اقتناء حمار مزعج النهيق، ولا ينبغي زراعة حقل على الطريق١.

وحظي جلجميش ملك أوروك٢ بنصيب كبير من القصص السومري، وترتب على كثرة ما كتب أن ظهرت له صورتان، صورة احتفظت له بشجاعته وجرأته ولكنها لم تأب أن تعترف بتسليمه بالأمر الواقع حين يتبين عجزه أمام عدوه، وصورة أخرى جعلته مغامرًا مغوارًا لا يهن له عزم ولا يشق له غبار مهما واجهه من المصاعب.

وظهر جلجميش في صورته الأولى حاكمًا على مدينة أرورك ولكنه كان بمدينته أقل منزلة من أجا ملك كيش التي أكدت الأساطير السومرية أنها كانت أول مدينة نزلتها الملكية بعد الطوفان، وربما كان تابعًا له، وبيدو أن أجا هذا اشتط ذات مرة في طلب الجزى منه، فثارت نفس جلجميش وابتغى أن يرفع النير عن بلده، فجمع شيوخ المدينة ودعاهم إلى امتشاق السلاح ضد كيش، ولكنهم آثروا السلامة مع الخضوع ولم يستجيبوا له، فلم ييأس وأعاد الكرة على جمهور شعبه فاستجاب الناس لدعوته وهللوا له وعز عليهم أن تخضع مدينتهم لعدو، وفيها إيانا معبد آن الذي نزل من السماء وأقامه الأرباب الكبار بأنفسهم حتى أصبحت جدرانه تلامس السحاب ...


١ ذكرت النصوص الإغريقية للعصور المتأخرة زيوسدرا باسم Xisouthros واعتبرته خلفا للملك Otiartes - تحريفا للاسمين القديمين.
٢ كرامر: من ألواح سومر - لوحتا ٦١ - ٦٢، ص٤٣٤ - ٤٣٥.

<<  <   >  >>