للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشتدت عزيمة جلجميش بتأييد شعبه، فنادى على تابعه وصديقه إنكيدو أن يدع أدوات الفلاحة جانبًا ويمتشق سلاح الحرب، وبلغ ذلك سمع أجا ملك كيش فخرج بجيوشه وحاصر أوروك. واستنفر جلجيمش من رجاله من يستطيع مواجهة أجا، فنفر له بطل يدعى بيرهور توري، ولكنه ما كاد يخرج من بوابة المدينة حتى تكاثر الأعداء عليه وأسروه واقتادوه إلى ملكهم فلم يهن عزمه أمامه واستمر يشيد بمولاه جلجميش وشجاعته.

وصعد جلجميش على أسوار المدينة فخشي عليه رجاله، وخرج تابع إنكيدو يرقب البوابة. ولما رأى جلجميش عقم المقاومة وكثرة العدو سلم بالأمر الواقع، فنادى أجا وامتدحه وعظمه، مداراة له وخضوعًا للأمر الاقع، فرق له قلبه ورفع الحصار عن مدينته وشكره على أدبه وأمنه على بلده.

سجلت هذه الأسطورة على إحدى عشرة لوحة صغيرة في فترة ما من الألف الثاني ق. م، ورأى ياكوبسن وكرامر في استشارة جلجميش لجماعة الشيوخ ثم جمهور الشعب نوعًا من أساليب الديموقراطية القديمة واعتبرا الجماعتين أشبه ببرلمان من مجلسين للشيوخ والشباب١. ولو أنه ليس من ضرورة للأخذ بحرفية هذا التخريج لأن القصة لا تحتمله.

وظهر جلجميش في صورته الأخرى يتحدى الموت ويحاول أن ينتصر عليه باكتساب شهرة فذة تخلد ذكره. وتخير مجال هذه الشهرة في أرض الأحياء أرض الأرز "هوروم" ليأتي ببعض أشجار أرزها إلى أوروك رغم أنف حاسرها المخيف هواوا.

واستفتى جلجميش أوتو رب الشمس وصاحب هذه الأرض فيما انتواه، وصور له قلقه من البقاء في مدينة يموت الإنسان فيها ويُفنى دون ذكر يخلده، فأشفق أوتو عليه من وعورة الطريق ومخاوفه، ولكنه بكى واستعطفه، فرق له واعتبر دموعه قربانًا له ووعده العون.

واصطحب جلجميش صديقه وتابعه إنكيدو، وجمع خمسين متطوعًا من الشبان الأعزاب الذين لا أم لهم ولا دار، حتى لا يشغلهم عن مهمتهم شاغل من الأهل وتسهل عليهم المغامرة. وقطع معهم الجبال السبعة التي تفصل بين أوروك وبين الأرض الموعودة ولما بلغها حاول صديقة إنكيدو أن يثنيه عن دخلوها وخوفه أهوالها، وذكره بحزن أمه عليه إن لقي حتفه فيها، فأقسم أبيه وأمه أنه لن يتراجع حتى يقاتل ذلك الكائن هواوا سواء أكان بشرًا أم إلهًا. وذكرت القصص أبا جلجميش باسم لوجال باندا وذكرت أمه باسم نينسون، وكانت أكثر احتفاء بها فوصفتها بالحكمة ودلتها النصوص الآشورية المتأخرة باسم نيسونا. وواصل جلجميش مغامرته حتى بلغ قصر هواوا الأرزي، وبعد أن قطع سبع شجرات وتركها إلى رجاله، اقتحم قاعة هواوا وهدده فيها ثم مال إلى أن يعفو عنه بعد أن ظهر عليه، ولكن إنكيدو خوفه عاقبة العفو عنه وشجعه على قتله وقطع رقبته. وليس من المستبعد أن هواوا هذا كان اسمًا رمزيًّا لزعيم أو جماعة عمل أو عملت على حرمان.


١ Th. Jacobeen, “Primitve Democracy In Ancient Mesopotamia”, Jnes, ١٩٤٥; Kramer, American Journal Of Archacology, ١٩٤٩.

<<  <   >  >>