للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عهده كما تمثل في عهود من سبقوه ولحقوا به من الملوك، في إنشاء المعابد وتجديدها وزيادة تماثيلها والاحتفاء بأعيادها وأوقافها ورعاية كهنتها وكاهناتها١.

واحتفظت حولياته باسم نهير صغير شقه رجاله أو أزادوا اتساعه وامتداده، وقالت عنه "نهير حمورابي "واهب" الخير للناس، حبيب آنو وإنليل، الذي غذى نيبور وإريدو وأور ولارسا وأوروك وإسين بمورد ري دائم، وكان يبدأ من الفرات أسفل كيش ويمتد حتى الخليج العربي٢.

تشريعات حمورابي:

لم تعتمد شهرة حمورابي على فتوحه وتدينه ورعياته لاقتصاديات بلده بقدر ما اعتمدت على تشريعاته الإدارية والقانونية. وهي تشريعات بدأ في إصدارها منذ العام الثاني من حكمه، وسجلها رجاله على نصب كثيرة، اشتهر منها نصب كبير من الديوريت "٢.٢٥ متر ارتفاعًا" نقشوه في السنوات الأخيرة من حكمه، وصوره في جزئه العلوي يتلقى الإذن بإصدار تشريعاته من رب العدالة ورب الشمس "شمش"، ويبدو أنهم أقاموه في معبد مردوك ببابل. ويبلغ أكبر عرض لهذا النصب ثلاثة أقدام، ونقشت نصوصه بخط دقيق. وكان العيلاميون قد استولوا عليه في أواخر القرن الثاني عشر ق. م، ونقلوه إلى عاصمتهم سوسه ضمن الغنائم نكاية في صاحبه الذي انتصر على أجدادهم، وأزالوا بعض سطوره ليسجلوا نصوص نصر ملكهم مكانها - ولكنهم لم يتموا هذا العمل ربما اتقاء للعنات الي صبها صاحبه على من يمحو كلماته. ثم نقل النصب بعد العثور عليه إلى متحف اللوفر، وعوضت نقص سطوره نصوص أخرى مرادفة لها.

لم تكن تشريعات حمورابي هي الأولى من نوعها في تاريخ بلاد النهرين كما كان يظن من قبل، فقد سبقتها كما مر بنا ثلاث محاولات لتشريع ولتدوين نصوص العرف القديم، في أور، وإشنونا، وإسين "وإصلاحات لجش احتمالا"، ولم تكن مرة أخرى بنت عهدها ولا جديدة كلها، وإنما تضمنت كثيرًا مما سبقها من نصوص العرف واللوائح ونصوص التقنين وأبقت بعضها على حاله، وعدلت بعضها الآخر وزادت عليه، ولكنها اكتبست شهرتها باعتبارها أكبر سجل قديم عثر عليه حتى الآن احتفظ بقوانين عهده وأحكام العرف في العهود التي سبقته. وأغلب الظن أنه تولى تجميع هذه التشريعات في عهد حمورابي عدد ما من رجاله القانونيين والإداريين أغفلت النصوص أسماءهم ونحلت فضلهم إلى ملكهم بل وجعلتها من وحي ربه إليه، وهو مسلك كثيرًا ما تكررت أمثاله في العصور القديمة والعصور الحديثة أيضًا.

تألفت المواد الباقية من تشريعات حمورابي من ٢٨٢ مادة تناولت أمور القضاء والأمن، وحقوق المحاربين ومسئولياتهم، وعقود الزراعة، وشروط الفروض، والأحوال الشخصية بما تتضمنه من تقاليد الزواج والطلاق والمورايث، وتحدثت عن القصاص والتعويضات، وأجور أصحاب المهن ومسئولياتهم. وتضمنت في ثناياها أحكامًا راقية يتقبلها المنطق في كل عصر، وأحكامًا أخرى يصعب علينا قبولها إلا بمنطق الحياة في


١ A. Ungand, Op. Cit., Nos. ٣, ٤, ٥, ١٢, ١٣, ١٤, ١٦, ١٧, ١٨, ٢٩, ٤٣, ٣٦...
٢ ل. ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - ص١٢٩.

<<  <   >  >>