للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعنيت التشريعات بأمور المعاملات الجارية، وتوسعت فيما تضمنته تشريعات إشنونا وإسين عن أجور العمال الزراعيين وشروط المشاركة في الزراعة والتجارة وتربية الأغنام والمواشي وتعويضاتها، وأجور المراكب تبعًا لحمولتها، وأجور حيوانات النقل والزراعة، وأجور النساجين وصانعي الجلود والصاغة والبنائين وأمثالهم. وكان خير ما أزادته هو تحديد أجور الأطباء، ومراعاة الحالة الطبقية والاقتصادية للمرضى. بحيث حددت أجر العملية في البدن أو في العين بالنسبة للثري بعشرة شواقل، وبالنسبة للشخص العادي بخمسة شواقل، وبالنسبة للعبد بشاقلين يتحملهما عنه سيده "٢١٥ - ٢١٧". وحددت أجرة العلاج العادي وجبر العظام بالنسبة للطبقات الثلاثة بخمسة شواقل وثلاثة وشاقلين على التوالي "٢٢٠ - ٢٢٣". ولم تنس في ذلك أجور علاج الحيوانات وتعويضاتها "٢٢٤ - ٢٢٥".

كانت هذه أهم النواحي الطيبة في تشريعات حمورابي، أما ما يؤخذ عليها من وجهة نظر تشريعاتنا على أقل تقدير، فهو اعترافها بالتفاوت في الحقوق والعقوبات بين الطبقات، فهي وإن استحدثت مبدأ العين بالعين والسن بالسن "١٩٦" والولد بالولد، إلا أنها قصرت تطبيقه وأمثاله على أفراد الطبقة الواحدة لمصلحة الطبقة العليا بخاصة، بينما قضت بالتعويض المادي وحده جزاء لاعتداء أحد أفراد الطبقة العليا على فرد من طبقة أخرى أقل منزلة من طبقته. فجعلت عقوبة فقء عين العامي أو كسر عظمه نصف مينه من الفضة، وجزاءهما بالنسبة للعبد نصف ثمنه، أما إذا صفع رجل رجلًا أرقى منزله منه جلد ستين جلدة علنًا وإذا صفع رجلًا من طبقته دفع مينه من الفضة، وإذا صفع عامي عاميًّا آخر دفع عشرة شواقل من الفضة وجعلت غرامة إحهاض المرأة من الخاصة عشرة شواقل فإذا ماتت قتلت ابنة قاتلها. وغرامة إجهاض المرأة من العامة خمسة شواقل، فإذا ماتت ففديتها نصف مينه من الفضة، وغرامة إجهاض الأمة شاقلين، فإذا ماتت ففديتها ثلث مينه من الفضة "١٩٦ - ٢١٤". وقضت بتغريم من يختلس شيئًا من مقتنيات المعبد أو الحكومة ثلاثين مثلًا لما اختلسه، فإن اختلسه من "موشكينوم" دفع عشرة أمثاله، فإن كان معدمًا قتل "٨" أي أنها فرقت بين عقوبة سارق المعبد والدولة، وبين عقوبة سارق المواطن العادي، وجعلت الإعدام جزاء المفلس في الحالتين، وألزمت الأبناء أحيانًا بجرائر آبائهم، فإذا أهمل معماري في عمله وانهار المنزل الذي بناه على ابن صاحبه قتل ابنه، وإذا أجهض رجل سيدة من طبقته أو من الخاصة فماتت قتلت ابنته "٢١٠".

واصطبغت أغلب مواد تشريعات حمورابي بالشدة في مواجهة الإضرار بمصالح الدولة والاعتداءات على النفس والمال، وليس من المستعبد أن تكون قد تعمدت ذلك لمجرد التخويف ومنع الجريمة قبل وقوعها، أو لتقيدها بتعاليم دينية متشددة، أو لشيوع الفساد في مجتمعها وفيما قبل عهدها فجعلت الإعدام عقوبة للتآمر على مصالح الدولة وأمنها والوقوف في سبيل تنفيذ أوامرها، كإيواء ثائر أو مجرم هارب، أو التكتم على مؤامرات قطاع الطرق "١٠٩"، أو التهرب من خدمة الجيش ولو عن طريق تقديم بديل، وعقوبة للضابط الذي أباح مثل هذا الإبدال أو تكتم أمره "٣٣". وعقوبة للاعتداء على أملاك المعابد وأملاك القصر. وجعلته عقوبة لمن يعجز عن رد المسروقات ودفع التعويضات عنها، وعقوبة لمن يسم عبدًا بغير ميسم سيده وبدون علمه "٢٢٦، ٢٢٧"، وعقوبة لخطف الأطفال، إخفاء العبيد، ونقب الدور

<<  <   >  >>