للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"٢١"، وعقوبة لمن يتجر في المسروقات، ومن يدعي ملكيته لأشياء مسروقة ثم يثبت تدليسه "٩ - ١١"، وعقوبة الكاهنة التي تفتح حانة أو تتردد عليها لتسكر فيها "١١٠"، وعقوبة للمعماري الذي يتسبب إهماله في انهيار منزل على صاحبه "٢٢٩". وجعلته عقوبة للرؤساء الإداريين "ديكوم، ولوبروتوم" إذا حرموا جنديًّا مما أنعم الملك عليه به، أو اغتصبوا متاع داره أثناء غيابه أو أجروها لصالحهم أو تخلوا عنها لصاحب نفوذ في ساحة القضاء "٣٤"، وحرمت عليهم شراءها وإلا خسروا ما اشتروها به "٣٥".

وتضمنت التشريعات أنه إذا اتهم مواطن مواطنًا آخر بالاشتغال بالسحر، كان على المدعى عليه أن يلقي بنفسه في النهر فإذا ابتلعه الماء ورثه الآخر، وإذا نجا أعدم من اتهمه وآلت أملاكه إليه. وقضت بأنه إذا أدت العملية الجراحية إلى وفاة مريض حر أو إلى ذهاب نور عينه قطعت يد الطبيب "ولعل ذلك كان مشروطًا بإهمال الطبيب وإن لم ينص عليه صراحة"، فإذا كان المريض عبدًا عوض الطبيب سيده عن حياته بعبد مثله، وعن عينه بنصف ثمنه من الفضة "٢١٨ - ٢١٩".

وصف حمورابي نفسه في تعاليمه بما اعتاد الملوك القدماء أن يصفوا أنفسهم به، من حيث اتصالهم بالأرباب، وتقواهم إزاءهم في الوقت نفسه، ومن حيث ظهورهم بمظهر المتفضل حينًا ومظهر المقدر لواجبه حينًا آخر، ومن حيث اعتزازهم بجبروتهم وانتصاراتهم حينًا وافتخارهم بميلهم إلى السلام والتعمير حينًا آخر. فادعى البنوة للمعبود سين، ووصف نفسه بأنه إله بين الملوك، وأنه أول الملوك وزعيمهم، والخالد بينهم، وأنه محارب لا مثيل له، وأنه الملك الحكيم والملك الكامل، وأنه منقذ شعبه من البأساء، وأنه طرق جهات العالم الأربع، وأنه فتح كذا وأخضع كذا وكذا، وكان من آثار هذه السمعة الغالية التي ادعاها لنفسه أو ادعاها له أتباعه أن سمى بعض رعاياه أبناءهم باسم حمورابي إيلو بمعنى حمورابي إله "أو هو الإله". ولكنه وصف نفسه إلى جانب ذلك بأنه الأمير التقي، وأن الأرباب تخيروه لإصلاح أحوال الناس، وأنه المطيع للإله شمش العظيم، وأنه كثير الدعاء للأرباب، ويعرف الرب أداد تضرعه، وأنه لم يهمل رعاية أصحاب الرءوس السود الذين عهد بهم إليه رباه إنليل ومردوك، وأن ربه مردوك أمره بأن يرشد الناس إلى الطريق القويم ويحق الحق والعدالة ويدونها بلغة البلاد، فاستعان بأمر شمش القاضي الأعظم للسماء والأرض، وذلل الصعاب للناس، وكان أشبه بوالد لهم، ووضع أهل سومر وأكد في جوفه حتى سعدوا بحمايته وأظلهم بحكمه، ثم رجا أن تدوم عدالته وتنتشر في البلاد كلها بإذن مردوك مولاه، ودعا الملوك الذين سوف يعقبونه إلى أن يتبعوا أسلوب حكمه، ودعا كل مظلوم إلى أن يذهب بنفسه إلى نصب تشريعاته ويقرؤها بعناية ويتمعن حكمته فيها حتى تستبين له قضيته ويهدأ باله، واستعدى أربابه على كل من يمحو التشريعات أو يغير فيها. هذا ويضيف اللغويون أن هذه التشريعات لم تعبر عن نضج العقلية التشريعية في عصرها فحسب، وإنما عبرت كذلك عن دور الاكتمال في الأسلوب اللغوي البابلي الذي أصبح من بعد نموذجًا كلاسيكيًّا للكتابات الراقية في العراق كله.

<<  <   >  >>