للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسر توبته لربه، ولكن لم تفارقه حيلته، فنادى ربه قائلًا: "إذا ألقيتني ههنا فمن ذا الذي يعتبر بانتقامك مني؟ انقذ حياتي، ولأشيعن ذكرك وقدرتك للأبد"، فأجابه شمش بقوله "أنت شرير، وقد أسأت إلي، والآن دعوتني، ولن ألبي دعوتك "في التو"، ولكني سوف أرسل إليك فيما بعد من يأخذ بيدك".

سمع إيتانا هذه القصة من النسر بعد أن عثر عليه كسيرًا في حفرته، وقص عليه هو الآخر قصته، ثم أطعمه ورعاه حتى استرد قوته واستوى جناحاه. وعندما اعتزم الصعود إلى السماء، طلب النسر منه أن يلاصقه صدرًا لصدر، وأن يضم ساعديه حول وسطه ويستمسك بريشه، ثم أقلع به. ولما علا به في أجواء السماء قال له: تطلع يا صديقي إلى الأرض كيف تحولت إلى مجرد ربوة، وكيف يبدو البحر وكأنه مجرد جدول. وطفق كلما ارتقى به عاليًا نبهه إلى ملاحظة الأرض والبحر وكيف يتناقصان تدريجيًّا في مجال الرؤية، حتى أصبح البحر العريض في هيئة الدلو وتناقص بعد ذلك إلى هيئة سلة الخبز ثم اختفى عن النظر تمامًا هو الأرض "وتلك ملاحظات بارعة من القصاص بغير شك". ولما أوشكا بلوغ المنتهى، اختلفت الروايات في مصيرهما، فروت إحداهما أنهما بلغا سماء آنور ووقفا عند مدخلها وأديا التحية ثم صمتت. بينما روت أخرى أن النسر أجفل عندها وارتعد وهوى بحمله سريعًا مرحلة إثر مرحلة حتى سقط على الأرض، أرض آنو، من حيث طمعها أن يدخلا في سمائه١.

وأخذت بحوار الحيوانات والزواحف والطيور أقاصيص أخرى، بعضها سومري محور، وبعضها بابلي مستحدث. وكانت منها أقصوصة ألاعيب الثعلب ذلك الذي تطلع إلى ربه إنليل ووعده بأنه سوف يضحي له بكل عائلته ويصلي له إن هو وهبه قرونًا، ثم مكر بذئب وكلب، وتحاكموا جميعًا وتفاخروا أمام ربهم٢ "على عادة الأساطير السومرية القديمة في التحاكم أمام الأرباب وأولي الرأي". وقصة الثعلب والسيسي. ثم محاورة الأثلة والنخلة ذات المقدمة الميثولوجية السومرية، وتفاخرها في قصر أول ملوك ما بعد الطوفان، على أيهما أنفع وأبهى. ومحاورة الصفصافة وشجرة الغار٣، في صورة ظهرت لها أشباهها في كثير من الآداب القديمة، مثل الأدب المصري القديم، وتضمنت الآداب البابلية عددًا من الأمثال والعبارات المرحة جمعت بين الحكمة وبين الفكاهة.

وعلى أية حال فإنما يتضح من سياق الأساطير البابلية السابقة، شيء قريب مما عقبنا به على الأساطير السومرية، وهو أن براعة أهلها في التخيل والرمز لم تستطع أن تجنبهم الاعتراف بنوازع السوء في بعض أربابهم، أو في عناصر بيئتهم والأرباب المتحكمين فيها بمعنى أصح، فأب يريد أن يدمر أولاده وإيا يقتل جده، وتيامة تحارب أحفادها، ثم تلقى حتفها على يد واحد منهم. وفي قصة جلجميش رأينا كيف حقدت


١ S. Langdon, Babylonica, Xii “١٩٣١” ١ F.; E. Ebeling, A.F.O, Xiv “١٩٤٤”, ٢٩٨ F.; E.A. Speiser, Akkadian Myths And Epics, Anet, ١١٤ F.; R. Williams, Phoenix, X “١٩٥٦”, ٧٠ F.
٢ Lambert, Op. Cit., ١٨٦ F. And References.
٣ يوجد كلام باللغة الإنجليزية برجاء مراعاة ذلك

<<  <   >  >>