للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويندب حظه .. ثم رضخ للأمر الواقع واصطحب الملاح ودعاه إلى زيارة أوروك، ووصفها له بأن مساحة مساكنها تبلغ سارا، وتمتد بساتينها سارا، وتمتد حدودها سارا ... وهكذا انتهت القصة إلى ما يفيد بأن سنة الحياة والموت جارية منذ الأزل وحتى الأبد وأنه لم يغيرها أن أتى جلجميش البطل بالأعاجيب في سبيل تغييرها، وأنه لم يكتب له الخلود من البشر غير أوتانبشتيم الذي يكاد يرادف الخضر في الأقاصيص الشعبية عند المسلمين، وإن كانت القصة العراقية القديمة قد أشركت معه زوجته أيضًا في نعمة الخلود.

صعود إيتانا إلى السماء:

ورث البابليون عن السومريين من أساطير العبرة التي استخدمت حوار الحيوانات والطيور للتعبير عن فكرتها، أسطورة ملك من ملوك كيش القدماء كان يدعى إيتانا ويلقب بالراعي١، ثم صاغوها بأسلوبهم فخرجت تصور حكمة القدر في المنع والعطاء، وتصور عواقب البغي والصلاح، وتصور سداد حكمة الصغير عن رأي الكبير أحيانًا، وتصور أمل البشرية القديم الجديد في ارتقاء الجو إلى عالم السماء.

كان إيتانا من أوائل من نزلت الملكية عليهم من السماء بعد الطوفان، وقد أوتي من كل شيء فيما خلا نعمة الولد، وعلم من تنبوءات الكهان أنه لا علاج لعقمه إلا بنبات الإنجاب، وأنه لا وجود لهذا النبات إلا في السماء السابعة سماء آنو، ولما طال تضرعه لربه شمش كي يهبه اسما "أي ولدًا" يخلد ذكره، اتخذه شمش أداة لتنفيذ قضاء قديم، ودله على نسر عجوز مهيض الجناح مثلوب المخالب منبوذ في حفرة عميقة، وأمره بأن يعينه حتى يسترد قواه عله يحمله معه إلى السماء حيث توجد طلبته.

وكانت قصة النسر أنه تآخى مع أفعوان وعقد معه أغلظ الأيمان على الإخلاص، وأشهدا معًا رب الشمس على أن من خان العهد سوف يضل طريقه وتسد الجبال سبيله. وعاشا متجاورين، الأفعوان في ساق شجرة والنسر في قمتها، وأنجب كل منهما ولدًا. وكان للأفعوان نصيب مما يصيده النسر، وللنسر نصيب مما يصيده الأفعوان. حتى كان يوم دب فيه دبيب الشر في قلب النسر العجوز فقال لولده إنه يشتهي أن يفترس ابن الثعبان ثم يهجر الأرض ويتخذ سكنه في السماء. وهنا ذكره ولده الصغير الأريب بقسمه، وحذره من انتقام ربه، ولكنه لم يرعو وأتم جريمته. وعندما عاد الثعبان وافتقد ولده اتجه بشكواه إلى شمش فاستجاب له ربه الذي عز عليه أن يحنث النسر بقسمه باسمه، ووعده بأن ييسر له قتل ثور بري بين الجبال، وأن عليه أن يبقر بطنه ويختبئ فيها حتى إذا حط النسر عليه ليأكله تمكن منه وفعل به ما يشتهيه. وحدث ما رسمه شمش، واتخذ الثعبان مخبأه في جوف الثور، وعندما حطت عقبان السماء على الفريسة أقبل النسر معها يسعى إلى نصيبه، فنهاه ولده الحكيم وحذره أن تكون مكيدة، ولكنه لم يرعو واكتفى بأن دار حول جثة الثور عدة مرات حتى استيقن من أنه لا وجود لعدوه الأفعوان بجواره، ثم ولج بطن الثور يريد أطايبها، وهنا تمكن الأفعوان منه، فانهار الغادر الجبان باكيًا مستعطفًا، ولكن الأفعوان واجهه بأنه لا مفر من تنفيذ قضاء شمش فيه، ونتف ريشه وكسر جناحيه وثلم مخالبه ورماه في حفرة ليلقى حتفه فيها. وحينذاك أعلن


١ Th. Jacobsen, The Sumerian King-List, ١٩٣٩, ٨٠-٨١; H. Frankfort, Cylinder Seals, ١٩٣٩, ١٣٩-١٣٩.

<<  <   >  >>