لست أنا من يفشي سر الأرباب الكبار. لقد جعلت أتراخا سيس "= حكيم الحكماء أي أوتانبشتيم" يرى رؤيا كشف فيها سر الأرباب، فاقض فيه إذن!
"ولا يبعد أن القصاص أراد أن يعبر بمثل التساؤلات السابقة عن تساؤلات دارات في ذهنه هو عن حكمة الأرباب في إرسال الطوفان الذي أوشك أن يهلك الجميع".
وعند ذاك خرج إنليل من السفينة وأمسك يدي وأخرجني وأخرج زوجتي وجعلها تركع بجانبي، ووفق بيننا ولمس جبهتينا ليباركنا، وقال: لم يعد أوتانبشتيم بشرًا، سيكون هو وزوجته أشبه بنا معشر الأرباب، وسيستقر بعيدًا عند مصاب الأنهار. فرفعني الأرباب إلى مصاب الأنهار. ولكن أنت "يا جلجميش" من سيجمع لك الأرباب ليهبوك الحياة؟ قم لا تنم ... ".
وانتقضت ستة أيام وسبع ليال، وجلجميش قابع وقد غلبه النعاس. فقال أوتانبشتيم لزوجته: "انظري إلى هذا البطل الذي يبحث عن الحياة، لقد استولى عليه النعاس ... " فقالت له زوجته: "المسه لعله يصحو ويعود من حيث أتى". ولكنه قال لها: "إن الإنسان من طبعه الخداع، ولسوف يحاول أن يخدعك "أي ينكر أنه نام"، فقومي اخبزي له فطائر وضعيها فوق يا فوخه، وعلمي على الجدار "عدد" الأيام التي نامها". فخبزت سبع فطائر ووضعتها فوق رأسه "يومًا بعد يوم"، وعلمت "عدد" الأيام على الجدار، فجفت الفطيرة الأولى، وفسدت الثانية، وعفنت الثالثة وابيضت الرابعة، واخضرت الخامسة، وظلت السادسة كما هي، وعندما وضعت له السابعة صحا وقال لجده: "الواقع أنه قلما ينتابني النعاس، وحالما تلمسني أصحو". فقال جده: "قم جلجميش وعد الفطائر ولاحظ ما صارت إليه ... ". وأسقط في يد جلجميش وعلم بعزم جده على ترحيله، فقال له: "وما عساي أن أفعل وأين أذهب وقد خمدت أطرافي، وفي حجرة نومه يستقر الموت وأينما ذهبت فهو الموت ... ؟ ".
واستدعى أوتانبشتيم نوتيه وأمره بأن يأخذ جلجميش إلى البحيرة ليزيل أوساخه ويحمل الماء عنه أدران جلده وحتى يظهر بهاء جسده. وأوصاه بأن يزوده بثوب جديد وعمامة جديدة ويساعده على العودة إلى بلده. فنفذ النوتي ما أمره به واستعد للإبحار بجلجميش، ولكن زوجة أوتانبشتيم قالت له بحنان الجدة على حفيدها: "وما عساك معطيه وهو عائد إلى بلده؟ " فاستدعاه وقال له سوف أعهد إليك بسررباني، نباتا سوف يخزك شوكه مثل الورد "ينبت في غور البحر"، ما أن تحرزه حتى تتجدد حياتك. فما سمع جلجميش قوله حتى ربط أحجارًا إلى قدميه وغاص بها في الماء حتى رأى النبات واقتلعه ووخزه شوكه، ثم حل الأحجار فطنا، وقال للنوتي "سوف آخذ هذا النبات إلى أوروك وأسميه رجوع الشيخ إلى صباه وسوف آكله بنفسي".
وبعد ثلاثين مرحلة رأي جلجميش بئرًا صافيه فأراد أن يبترد فيها، ونزل الماء، ولكن أفعى شمت النبات فاختطفته واختفت به. وربما أراد راوي القصة بذكر اختطاف الحية لسر الحياة الأبدية أن يفسر به قدرتها على تجديد جلدها وشبابها الظاهري كلما أدركها الهرم ولحق البلى بجلدها. وقعد جلجميش يبكي