للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملكهم إيليما إيلوم مرتين بغير نتيجة حاسمة. واستمر خطر هذا الملك الأخير في عهد إبيشوم البابلي "خليفة سمسو إيلونا الذي حاول أن يستعين على هزيمته بإقامة سد في مجرى نهر دجلة يؤدي إلى إفاضة مائه على دولته، ولكنه فشل في الانتصار عليه١. وهكذا استمرت عوامل الشقاق الداخلي تعمل عملها في تفتيت جسم الدولة.

وبدأ الخطر الخارجي على دولة بابل من قبل الخاتيين "الحيثيين" الذين تكررت اعتداءاتهم على حدودها القريبة منهم، ثم ازدادت غاراتهم شدة عليها بتقادم عهدها وازدياد مساكلها الداخلية حتى استطاعوا في عهد مكلهم مورسيل الأول أن يحتلوا مدينة بابل نفسها وغنموا كنوزها ودمروها تدميرًا هائلًا حوالي عام ١٥٩٥ق. م، وقضوا على استقلالها في عهد ملكها الحادي عشر "سمسوديتانا"٢، ولا زالت آثار تدميرهم لها باقية. وحاول الخاتيون أن يمتدوا في جنوب بلاد النهرين، ولكن وقفت في سبيلهم دولة البحر الناشئة وكسرت شرتهم لا سيما بعد أن بعدت الشقة بينهم وبين أرضهم. ولهذا لم يجد التاريخ بأسًا في أن يحتفظ لهذه الدولة "دولة البحر" بذكرى طيبة فأطلق على أسرتها الحاكمة اصطلاحًا اسم أسرة بابل الثانية.

ولم تطل إقامة الخاتيين "الحيثيين" في بابل، ونزحوا عنها بعد أن أضعفوا شأنها في عالم الحرب والسياسة. وربما تركوا فيها حامية قليلة، فخلا المجال للخصمين الآخرين، دولة البحر والكاسيين. وكانت دولة البحر أسبق إلى الاستفادة من الوضع القائم، وشجعها أنها ساهمت في تخفيف قبضة الخاتيين على بابل ... ولكن المهمة كانت فوق طاقتها، ولم يطل أمد استقرارها هي الأخرى، واضطرت إلى أن تواجه أطماع الكاسيين الذين مالت كفة النصر إلى جانبهم في عهد زعيمهم جانداش الذي أعلن نفسه ملكًا على بابل والأركان "أو الأقاليم" الأربعة سومر وأكد، وبدأت منذ ذلك الحين أسرة مالكة جديدة عرفت اصطلاحًا باسم أسرة بابل الثالثة.

واستمرت دولة البحر قائمة لبعض الوقت في عصر الكاسيين، ونسبت الحوليات إلى أحد ملوكها الأواخر "إيا جميل" مهاجمته لأرض عيلام، ولكن الكاسيين استمروا يوجهون هجماتهم عليها حتى قضوا على استقلالها.

ساد الكاسيون جزءًا كبيرًا من العراق، ولكن أعدادهم كانت قليلة، وحضارتهم القومية كانت خشنة ضئيلة، فاكتفوا بأن اعتبروا أنفسهم طبقة أرستقراطية حاكمة بين السكان الأصليين وانتفعوا بحضارة بلاد النهرين وقلدوا فنونها في مبانيهم ومعابدهم وتماثيلهم، واعتبروا اللغة البابلية السامية لغة الكتابة الراقية إلى جانب لغتهم الخاصة. وكان كل ما أضافوه إلى حضارة بلاد النهرين هو أنهم أدخلوا إليها سلالات جديدة من خيول سهوب آسيا طغت شيئًا فشيئًا على أنواع الحمير الجبلية وسلالة السيسي القديمة، وغيروا


١ See, Anet, ٢٧١; Ebeling, Aot, ٣٣٧.
٢ Anet, ٢٧١.

<<  <   >  >>