صاحب فترات الازدهار السياسي والحربي في المرحلة الثانية من العصر الوسيط نشاط مناسب في مجالات العمارة والفن والتشريع، وأخذت آشور تعبر بنفسها عن نفسها في كل هذه المجالات مع الاستفادة المستمرة من جيرانها.
ولما كانت عمارة المعابد في العصور القديمة من أهم ما أشبع رغبة الملوك في خلود الذكر والتفاخر، تعددت مشروعاتها الآشورية، ومنها معبد مزدوج في العاصمة آشور للمعبودين آنو وأداد، بدأ في عهد آشور رش إيشي وتم في عهد ولده تيجلات بيليسر الذي ذكرت نصوصه أنه رفع قمته إلى السماء، ويذهب الظن إلى أن برجيه كان يرتفعان نحو أربعة طوابق وأن واجهات جدرانه وأسواره كسيت بالآجر، ثم أعيد بناؤه بعد ذلك أكثر من مرة في العصر الآشوري الحديث.
وعثر في نينوى على تمثال لمعبودة فقد رأسه وأغلب ذراعيه وقدميه، ونحته فنان بأسلوب أقرب إلى الأسلوب الواقعي، فمثلها عارية بتقاطيع الجسم الأنثوي العادي، فأصبح على بساطته يتميز إلى حد كبير عن تماثيل المعبودات الآشورية الثقيلة ذات الملابس الكاسية.
ومن أهم ما استحدثته آشور في نظمها الإدارية منذ أوائل عصرها الوسيط، تأريخ وثائقها بأسماء كبار شخصياتها على التعاقب واحدًا فواحدًا كل عام، بحيث يبدأ تأريخ الوثائق باسم الملك الحاكم طيلة العام الأول لاعتلائه العرش، ثم يتجدد اختيار أحد كبار موظفيه عن طريق القرعة كل عام، ويلقب بلقب "ليمو" أو شاغل وظيفة "ليمو"١، ولعلها كانت تعني ولايته لأمور التشريع والتوثيق في عام بعينه.
ونظمت طريقة اختيار الليمو فيما بعد، فرتبت الوظائف الكبرى في الدولة ترتيبًا تنازليًّا، يبدأ بعد الملك بالوزير "؟ " ثم الترتانو وكبار رجال البلاط والحكومة المركزية ثم كبار ولاة الأقاليم، ويليها كل منهم عامًا واحدًا بعد عام الملك الذي يبدأ باعتلائه عرشه، حتى إذا انتهت القائمة وطال حكم الملك أكثر من ثلاثين عامًا، يبدأ التاريخ باسمه مرة ثانية ويعود الترتيب التنازلي بعده من جديد. ومعروف أن المصريين القدماء كانوا يعتبرون فترة الثلاثين عامًا فترة مثالية لتولي الملك عرشه ويحتفلون بعدها بعيد يعتقدون أن طقوسه تجدد قدرته على بداية فترة حكم جديدة. ولا ندري مدى الرابطة بين هذا التقليد الذي أخذ المصريون به منذ بداية عصورهم التاريخية وبين تحديد فترة الثلاثين عامًا للملك الآشوري. أما تأريخ الوثائق باسم حاكم كبير لفترة عام واحد، فظهر له شبيه فيما بعد في أثينا التي كانت تؤرخ وثائقها باسم من يلي منصب الإبينيموس أرخون السنوي، ولا ندري مرة أخرى مدى الصلة بين هذين التقليدين.
وقد يكتفي كاتب اللوحة الآشورية بذكر اسم صاحب الليمو، أو يضيف منصبه إليه، أو يضيف إليه اسم حادثة هامة حدثت في عامه. ومن هذا القبيل أن أرخت هبة عقارية من عهد آشور أو بالليط
١ J. Lewy, Revue Hittie-Et Asiatique, V “١٩٣٩”, ١١٧ F.; U. Uugand, In Reallexikon Der Assyriologie, Ii,٤١٢ F.; E.F. Weidner, A.F. O., Xii “١٩٤١” ٣٠٨ F.