للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمراء أورارتو. ولن نناقش هنا مدى الصحة في أخبار هذه الانتصارات ما دمنا لا نملك دليلًا للأسف على نقضها، فيما خلا حديثه عن مصر من بينها، ولكن حسبنا مما سنذكره عنها ما تنم عنه من صور الغليان في عهده وما تدل عليه من أن اتساع رقعة الدول كان يقتضي عينًا ساهرة على الدوام، وأن شعوب المدن المتحضرة في الهلال الخصيب لم تتقبل التوسع الآشوري راضية، وأن النجاح في بسط النفوذ عن طريق القوة الباطشة شيء، واستقرار أمور الدولة بعد اتساعها شيء آخر. وإن كان مما يعترف به لسرجون بالذات أنه كان سريع التصرف في مواجهة المشاكل ومتاعب الحروب، وأنه كان حريصًا على بث عيونه في أنحاء دولته ليكتبوا له باستمرار عما يجري فيها وما يتوقعونه منها. وتضمنت النصوص الآشورية أخبارًا طريفة عن أولئك الخصوم لا بأس من الاستشهاد ببعضها. فقد بلغ من حقدها على حاكم حماة أن اعتبرته حيثيًّا سوقيًّا ملعونًا مغتصبًا للعرش، وما ذاك إلا أنه حرض مدن أرواد وسميرا ودمشق والسامرة ضد الآشوريين وكون حلفًا يشبه حلف قرقر القديم، بل واتخذ قرقر بالذات مركزًا لنشاطه العسكري. ويحتمل أن مصر أيدته وعاونته. وعندما انتصر الآشوريون عليه سلخوا جلده. ووصفت النصوص الآشورية حاكم قرقميش بالوصف نفسه، فاعتبرته حيثيًّا خائنًا للعهود، وما ذاك إلا لأنه تعاون مع ميداس الفريجي "مينا الموشكي" على تحرير بلديهما من تدخل النفوذ الآشوري. واعتبرت النصوص نفسها أهل أشدود في فلسطين حيثيين أيضًا، وما ذاك إلا لأنه ملكهم امتنع عن دفع الجزية وحرض جيرانه على أن يفعلوا فعلته، فعزله سرجون وولى أخاه الصغير على عرشه، ولكن أهل أشدود كالوا له الصاع صاعين، فعزلوا صنيعته وطردوه وأمعنوا في مضايقته، وعينوا رجلًا من غير الأسرة المالكة؛ اعتبرته المتون الآشورية "إيونيا"١ مغتصبًا للعرش وغير أهل له، ثم روت على لسان سرجون أنه جن جنونه عندما سمع بخبره، فلم ينتظر تجييش جيوشه وركب عربة مدنية وهرع بها هو وحرسه الخاص على حده قوله، واتجه فورًا إلى أشدود، ففزع الإيوني ولجأ إلى الحدود المصرية. وحاصر سرجون المدينة حتى سلمت له هي وجيرانها فغنم منهم ونهب وسبى وعين حاكمًا آشوريًّا على منطقتها ونقل إليها مهجرين من المناطق الشرقية واعتبرهم رعايا آشوريين٢. ولم تبرأ رواية سرجون عن كل ذلك من ادعاء وتهويل، فقد ذكرت رواية آشورية أخرى أن أهل أشدود حصنوا مدينتهم ضده وأحاطوها بخندق عميق يزيد عمقه عن عشرة أمتار، وراسلوا مصر وأمراء جنوب فلسطين وبعض جزر البحر، فخرج سرجون إليهم بجيش كثيف عبر به الدجلة والفرات إبان اشتداد فيضانهما الربيعي٣. وذلك مما يعني أنه لم يفلح في هجومه بحرسه الخاص الذي قص قصته في روايته السابقة، فارتد عن المدينة وعاد إلى بلده واستعان عليه ببقية جنده.

وكانت لسرجون قصة قصيرة مع مصر ذكرنا طرفًا منها في سياق التاريخ المصري "ص٢٩١، ٢٩٣" حين استجابت مصر لنداء هانو حاكم غزة الذي لجأ إليها منذ عهد تيجلات بيليسر، وساعدته على تكوين حلف


١ For Jamani And Iodna As "Ionion" See, D.D Luckenbill. Za Xxviii "١٩١٣", ٩٢ F
٢ Luckenbill, A. R. Ii, ٣٠, ٦٢, ٧٩ F, Etc
٣ Ibid, ١٩٣ F.

<<  <   >  >>