للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظران. وتركزت أغلب الآثار التي تنم عن هذه التطورات في المنطقة المحيطة بنقادة بمحافظة قنا بالصعيد. وبدأت هذه المنطقة نشاطها الحضاري بطابع محلي خاص بها خلال عهد يسمى اصطلاحًا باسم عهد نقادة الأول، ثم اشتركت بهذا النشاط المحلي في نشاط حضاري آخر واسع شملها هي وأغلب مناطق الصعيد والدلتا في عهد يسمى اصطلاحًا باسم عهد نقادة الثاني. وقد تميز كل عهد منهما بخصائص وميزات نترك تفاصيلها لمجالات التخصص ويمكن الرجوع إليها في الجزء الأول من كتابنا عن حضارة مصر القديمة وآثارها، وحسبنا أن نستشهد هنا على رقي الحضارة النقادية في عهديها المتتابعين، الأول والثاني، بعرض نماذج مختارة من تطور أهلها المناسب لعصرهم بفنون الرسم والنقش، والمساكن والمقابر.

كانت نقادة التي نسبت الحضارتان إليها مجرد جبانة لمدينة متحضرة ابتعدت عنها شمالًا بسبعة كيلومترات وهي مدينة نوبت "ربما بمعنى الذهبية لقربها من مصادر الذهب في الصحراء الشرقية" وقامت على أطلالها بلدة طوخ الحالية على الضفة اليسرى للنيل في محافظة قنا وفي مواجهة مدينة قفط. وليس من شيء مؤكد عن الأوضاع السياسية والدينية في هذه المدينة خلال عهد حضارتها الأولى، وكل ما يعرف عنها هو أن الأساطير القديمة احتفظت لمعبودها "ست" بذكرى واسعة واعتبرته ربًّا للصعيد كله، وذلك مما يحتمل معه أن أقاليم الصعيد أو أغلبها اعترفت بزعامة نوبت وسيادة معبودها في فترة من الفترات القديمة البعيدة.

وظهرت الأهمية الأثرية لهذه المنطقة في القرن الماضي منذ اتخذ الأستاذ فلندرز بترى من أعداد أواني الفخار الكثيرة التي وجدها في مقابرها سبيلًا إلى رسم التتابع الزمني١ " Sequence Of Date" لآثار المنطقة وما يماثلها من آثار القطر المعاصرة لها، بعد أن تبين أنه ما من مقبرة من مقابرها خلت من الفخار وأنه ما من صناعة من صناعتها يمكن أن تعبر عن التطور المستمر أفضل من الفخار. واستعان في ترتيب أواني هذا الفخار بملاحظة التطورات الدقيقة في ألوانها وأشكالها ورسومها السطحية والمحفورة. وعمل على تقسيم أنواعها إلى تسع مجموعات رئيسية تتضمن كل منها في داخلها تقسيمات أخرى فرعية، ثم انتهى إلى تقسيم مراحل التطور فيها إلى خمسين مرحلة بدأها بالرقم ٣٠ وانتهى بها إلى رقم ٧٩، وتعمد أن يترك ما قبل الرقم الثلاثين لما يمكن أن يستجد الكشف عنه من آثار حضارات أخرى سبقت حضارة نقادة، واعتبر الرقم ٧٩ بداية للتطور الحضاري في أول العصور التاريخية خلال عصر الأسرة الفرعونية الأولى. وتعرضت تقسيماته هذه لتعديلات كثيرة، ولكن لا زالت فكرتها مقبولة في جملتها حتى الآن.

كانت رسوم الفخار في نقادة الأولى رسومًا تخطيطية في مجملها اعتمدت على الخطوط المستقيمة والمائلة وملئت فراغاتها بخطوط أخرى بيضاء متقاطعة، وذلك مما دعا إلى تسمية فخارها باسم White Cross-Lined Pottery وصنعت هذه الأواني ذات الرسوم على هيئات عدة، كانت أطرافها أواني وكئوس بشعبتين، وثلاث شعب، بعضها بأربعة قوائم، وبعضها بقاعدة مرتفعة على هيئة٢ حرف" Y". واستأنف صناعها مراحل


١ راجع دراستنا التفصيلية لها في حضارة مصر القديمة وآثارها – ج١ – ص١٢٧ - ١٣٢.
٢ W.F. Petrie, Prehistoric Egypt, Pls. X, ٧, Xv, ٥١, ٥٤-٥٥; Corpus, Pls. Xx, ١٤, Xxiv, ٨١, Xxv, ٩١.

<<  <   >  >>