للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في نعماه، والحلول في جنابه، فكيف وأنى به، وقد قيدني الهرم فما أستطيع نهضا، ولا أطيق بسطا ولا قبضا، ولو أمكنني لاستقبلت العمر جديدا، والفضل مشهودا، عند من تقر بسوابقه العجم والعرب، وتوكل خلائقه بالضمير وتشرب، جازاه الله بالحسنى، وأولاه ثواب ما تولى، بعزته تعالى، ولما نهضت بنت الوزير الأجل أبي بكر بن عبد العزيز إلى سرقسطة لتزف إلى المستعين بالله استدعى المؤتمن أعيان الأندلس وأمجادها، وأبطالها وأنجادها، وكتابها ووزراءها، وحجابها وأمرائها، لمشاهدة زفافها فأجابوا مناديه، وانحشروا لناديه، وكان عرسا لم تكتحل مدته بسرقسطة عين بوسن، ولم يحتفل احتفاله فيه المأمون لبوران بنت الحسن، وحشرت إليه الآمال حشرا، وطابت به الأماني عرفا ونشرا، وأبدت له الدنيا تهللا وبشرا، ورمت فيه المسرات جمارها، وفسحت لطراد المستهزئين مضمارها، فكتب أبو عبد الرحمن معتذرا عن الوصول إليه، والحصول لديه، نعمه أيده الله قد أغرقتني مدودها، وأثقلتني لواحقها ووفودها، ووافني كتابه العزيز داعيا إلى المشهد الأعظم، والمحفل الأكرم، الذي ألبس الدنيا إشراقا، والمجد إبراقا، فألفى الدعاء مني سميعا، لاسيما وقد قلدتني به الشرف والسؤدد والبر جميعا، وسما بناظري فيه إلى حيث النجوم شوابك، والمعالي أرائك، إلا أنه أيده الله أتم نظرا، وأصح تدبرا، من أن يلحق بخاصته الزلل، أو يوقع عليه الخلل، وقد علم أن الأيام تركن بالي كاسفا، وخطوي واقفا، فكيف يسوغ إلي أن ألقاه بذهن كليل، وفكر عليل، إذن فقد أخللت بأياديه، وما أجللت رفيع ناديه، وأقسم القسم البر بحياته أطالها الله ما كان من وطري أن أتأخر عنه ولي فيه الآمال العريضة، والقداح المفيضة، وفي يدي منه مواعد زهر النظام، ومواهب رزق الجمام، وإذا عرف أيده الله الحقيقة رأى العذر واضحا، والسر لائحا، وعسى أن يلاحظ سعد، ويستنجز للمنى وعد، وينفسح خاطر، ويهتدي حار، فيقف ببابه ملازما، ويخر على بساطه لائما، إن شاء الله تعالى ودخلت بلنسية سنة ثلاث وخمسمائة فلقيته وقد انحنى، وعوض من نشاطه الحنا، وهو يمسي بالعيش على الضجر، ويمشي على ساق من الشجر، لا تحمله المنساة من الكبر، ولا يملك رأس البعير أن نفر، إلا أنه امتنع بإنسانه، واقطع ما شاء من إبداع فكره ولسانه، فأعاد عصري صبا، واهب ريحي صبا، ودارت بيننا مراسلات أحلى من عطفات الحبيب، وأشهى من رشفات

<<  <   >  >>