للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللمى الشنيب، وفي أثناء ذلك استدعاني أميرها إلى الالتزام، وعزم فيه كل الاعتزام، بعد أن أرسل مالاً، وملا لي بالرغائب يمينا وشمالا، وجلا علي أمالي شخوصا، وتلاها نصوصا، فأبيت، وتلومت والتويت، وفرقت ما أعطاني، وعطلت صهوة التوجيه التي أمطاني، فكتب إلي الرئيس أبو عبد الرحمن رحمه الله، أنا أعزك الله عليك شحيح، ولك في ما تأتيه وتحتذيه نصيح، فالزمان لا يساعد، والأيام تعوق وتباعد، فأقصر من هذه الهمة، واقتصر من أمورك على المهمة، التي تفجا مع الأوقات، ولا يلجأ فيها إلى ميقات، واقتصد في مواهبك، وأقصد إلى العدل، في مذاهبك، ولا تكلف في الجود بسرف، ولا تقف من التبذير على شرف، فلو أن البحر لك مشرب، والترب مكسب، لنفذا معاً، ولم يسد موضعا، ولو كان لك النجم مصعدا والفلك مقعدا، لما ثنيت إلى ذلك عنانا، ولا ارتضيت لهمتك مكانا، وقد خطبتك الخطوة سرا وجهرا، وبذلت لك الأمرة أسنى مراتبها مهرا، فازدريت زهوا، وامتطيت باوا، لا تتربص على مسديها، ولا يختص بإجابتك مناديها، وقد كان يجب أن لا ترغب عن راغب، ولا تنكب عنه إلى شغب شاغب، فأين تريد تنزل، وما الذي ترتضى وتستجزل، وقد عرضت عليك الأماني فما تأملتها، وخلعت عليك ملابسها فما اشتملتها، والذي أحظك عليه أن تكف من رسنك قليلا، ومن وسنك مستطيلا، إن شاء الله، وأقمنا نتجاذب أهداب المخاطبة، ونصل أسباب المكاتبة، ونتعاطى أحاديث كأنها رضاب، ونتراضى والأيام غضاب، إلى أن نهضت إلى ميورقة وانصرم في التزاور سببنا، وخوى من سمائه كوكبنا، فكتب إلي، يا كوكب مجد أظلمت بغروبه منيرات الأفاق، وذهب ما كنت عهدته بطلوعه من الإشراق، لقد استرجعت مسراتي أجمعها، وأزلت عن نفسي في السلوة طمعها،

فسقيا لعهدك وقل له السقيا، ويا لهفي من بعدك أن قضي لي بالبقيا، وأن بي من الشوق لبعدك والكدر، ما لو كان بالفلك الدوار لم يدر، فلقد كانت غراء أيام تلاقينا، والأنس يساقينا، وإنها لممثلة لعيني، ما يحول السلو بينها وبيني، وعساها تعود، فتطلع معها السعود، إن شاء الله تعالى، ودعيت يوما إلى منية المنصور بن أبي عامر ببلنسية وهي منتهى الجمال، ومزهى الصبا والشمال، على وهي بنائها وسكون الحوادث برهة في قنائها، فوافيتها والصبح قد ألبسها قميصه، والحسن قد شرح بها عويصه،

<<  <   >  >>