وبوسطها مجلس قد تفتحت للروض أبوابه، وتوشحت بالأرز المذهبة أثوابه، يخترقه جدول كالحسام المسلول، وينساب فيه انسياب الأيم في الطلول، وضفاته بالأدواح محفوفة، والمجلس يروق كالخريدة المزفوفة، وفيه يقول علي بن أحمد أحد شعرائها، وقد حله مع طائفة من وزرائها. منسرح
قم فاسقني والرياض لابسة ... وشيا من النور حاكه القطرُ
والشمس قد عصفرت غلائلها ... والأرض تندى ثيابها الخضرُ
في مجلس كالسماء لاح به ... من وجه من قد هويته بدرُ
والنهر مثل المجرحف به ... من الندامى كواكب زهرُ
فحللت في ذلك المجلس وفي أخدان، كأنهم الولدان، وهو في عيش لدن، كأنهم في جنة عدن، فانحنت لديهم ركائبي وعقلتها، وتقلدت بهم رغائبي واعتقلتها، وأقمنا نتنعم بحسنه طول ذلك اليوم، ووافى الليل فذدنا عن الجفون طروق النوم، وظللنا بليلة كان الصبح منها مقدود، والأغصان تميس كأنها قدود، والمجرة تتراءى نهرا، والكواكب تخالها في الجو زهرا، والثريا كأنها راحة تشير، وعطارد لنا بالطرب بشير، فلما كان من الغد وافيت الرئيس أبا عبد الرحمن زائرا فأفضنا في الحديث حتى أفضى بنا إلى ذكر منتزهنا في أمس، وما نلنا فيه من الأنس، فقال لي وما بهجة موضع قد بان قطينه وذهب، واستلب الزمان بهجته وانتهب، وباد فلم يبق إلا رسمه، ومحاه الحدثان فما يكاد يلوح وسمه، عهدي به عندما فرغ من تشييده، وتنوهي في تنميقه وتنضيده، وقد استدعاني إليه المنصور في يوم حلت فيه الشمس بيت شرفها، واكتست الأرض بزخرفها، فحللت به والدوح تميس معاطفه، والنور يخجله قاطفه، والمدام تطلع فيه وتغرب، وقد حل فيه قحطان ويعرب، وبين يدي المنصور ماية غلام أحدهم على العشر غير أربع، ولا يحل غير الفؤاد من مربع، وهم يريدون رحيقا، خلتها في كؤوسها درا وعقيقا، فأقمنا والشهب تغازلنا، وكان الأفلاك منازلنا، ووهب المنصور في ذلك اليوم ما يزيد على عشرين ألفا من صلات، متصلات، وأقطاع، ضياع، ثم توجع لذلك العهد، وأفصح بما بين ضلوعه من الوجد، وأنشد، كامل
سقيا لمنزلة اللوى وكثيبها ... إذ لا أرى زمناً كزماني بها
قال وأخبرني رحمه الله أن أبا أحمد ابن حجاف لما انتزى، وانتمى للرياسة واعتزى،