للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهاموا بشرق العقاب، وشاموا به برقاً يبدو من نقاب، ونعموا بجوفي الرصافة، وطعموا عيشا تولى الدهر جلاءه وزفافه، وأبعدوا نصح الناصح، وحمدوا أنس مجلس ناصح، وعموا بالزهراء، وصموا عن بناء صاحب الزوراء، حتى رحلت الموت عنها وقوضهم، وعوضهم منها ما عوضهم، فصاروا أحاديث وأنباء، ولم يتزودوا منها إلا حنوطا وكباء، وغدت تلك المعاهد تصافحا أكف الغير، وتناوحها نعبات الطير، وراحت بعد الزينة سدا، وأمست مسرحا للسيد وملعبا للصدى، يسمع للجن بها عزيف، ويصرع فيها الباسل والنزيف، وكذا الدنيا أعمالها خراب، وأمالها أل وسراب، أهلكت أصحاب الأخدود، وأذهبت ما كان بمأرب من حيازات وحدود، وله يتغزل بولادة، بسيط

يا نازحا وضمير القلب مثواه ... أنستك دنياك عبد أنت دنياهُ

ألهتك عنه فكاهات تلذّ بها ... فليس يجري ببال منك ذكراهُ

علّ الليالي تبقيني إلى أمل ... الدهر يعلم والأيام معناهُ

وكان يكلف بولادة بنت المهدي ويهيم، ويستضيء بنور تخليها في الليل البهيم، وكانت من الأدب والظرف، وتتميم المسمع والطرف، بحيث تختلس القلوب والألباب، وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب، فلما حل بذلك الغرب، وانحل عقد صبره بيد الكرب، كر إلي الزهراء ليتوارى في نواحيها، ويتسلى برؤية موافيها، فوافاها والربيع قد خلع عليها برده، ونثر سوسنه وورده، وانزع جداولها، وانطلق بلابلها، فارتاح ارتياح جميل بواد القرى، وراح بين روض يانع وريح طيبة السرى، فتشوق إلى لقاء ولادة وحن، وخاف تلك النوائب والمحن، فكتب إليها يصف فرط قلقه، وضيق أمده إليها وطلقه، ويعاتبها على إغفال تعهده، ويصف حسن محضره بها ومشهده، بسيط

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رق لي فاعتل إشفاقا

والروض عن مائه الفضي مبتسم ... كما جللت عن اللبات أطواقا

يوم كأيّام لذّات لنا انصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سرّاقا

نلهو بها بما يستميل العين من زهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا

كأن أعينه إذ عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا

<<  <   >  >>