للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعش في نعيم ودم في سرور ... ولا سر ربك من لا يسر

وله يخاطب بني عبد العزيز وقد اجتازيهم فأخرجوا غليه تضييفاً وبرا مع قوم أغفال لم يلقوه فكتب إليهم: طويل

تناهيتم في برنا لو سمحتم ... بوجه صديق في اللقاء وسم

وسلسلتم راح البشاشة بيننا ... فما ضر لو ساعدتم بنديم

ضننتم بأعلاق الرجال على النوى ... فلم تصلونا منهم بزعيم

سألتمس العذر الجميل عن العلى ... واحتال للفضل احتيال كريم

وأثني على روض الطلاقة بالجنى ... وإن لم أفر من نشره بنسيم

ولكن سأستعدي الوفاء وأقتضي ... سماحك بالأنس اقتضاء غريم

ولما فغر المعتمد على مرسية فمه، وأراد أن يرفع بها علمه، ويثبت بها قدمه، وجعل ابن طاهر غرضه، ونبذ ذمام الوفاء له ورفضه، لضيق مجاله، وقلة رجاله، وعجم أعواده، وسبر أنجاده، فلم يرسمها يفوه لعرشه، ولا شهما يطوقه أمر جيشه، إلا ابن عمار رأيا لم ينتقده، واعتقاداً لمن لم يعتقده، وظنا أخلفه، وقضاه ما أسلفه، مجازاة لبغيه، وموازة لقبح سعي، وانتصاراً من الله لمن لم يجن ذنبا، ولم يثن عن مضجع المولات جنبا، فلما وصل غليها، وحصل عليها، وفض ختمها، وصحح لتنفسه اسمها، نبذ عهد المعتمد وخلعه.

وأنزل ذكره من منابرها بعدما أطلعه، ففيض له من ابن رشيق رجل حكاه فعلا، وصار لتلك العقيلة بعلا، فاقتص منه اقتصاص ابن ذي يزن من الحبشان، وتركه أخسر من أبي غبشان، ما كان إلا ريثما أوقده نهيه وأمره، وخرج هو إلى افتقاد أقطاره، وقضاء بعض أطاره، حتى ثار له ثورة الأسد الورد، وامتنع له بمرسية امتناع صاحب الأبق لفرد، فبقي ابن عمار ضاحيا من ظل غبطته، لاحيا نفسه على غلطه، ولما استبهم أمره ولم يعلم له تفسيرا، وعاد جناحه الوافر مهيضاً كسيرا، أراد الرجوع إلى المعتمد فخاف أن يوبقه غدره، وعزم عل القعود فضاق بفقد ما عهده عنده صدره، فكتب إليه: طويل

أأسلك قصداً أم أعوج عن الركب ... فقد صرت من أمري على مركب صعب

وأصبحت لا أدري أفي البعد راحتي ... فأجعله حظي أم الحظ في القرب

إذا أنقذت في أمري مشيت مع الهوى ... وإن تعقبه نكصت على عقبي

<<  <   >  >>