دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ بَعْضِهِمْ يُسْقِطُ حَقَّهُ يُقَادُ وَإِلَّا فَلَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مُمْسِكِ رَجُلٍ لِيَقْتُلَ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ.
(جَرَحَ إنْسَانًا وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (فَأَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ، وَأَقَامَ الضَّارِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِيءَ) مِنْ الْجُرْحِ (وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) كَذَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَعْزِيًّا لِلْحَاوِي. (أَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ جَرَحَهُ زَيْدٌ وَقَتَلَهُ وَأَقَامَ زَيْدٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ إنَّ زَيْدًا لَمْ يَجْرَحْنِي وَلَمْ يَقْتُلْنِي فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) كَذَا فِي الْمُشْتَمِلِ مَعْزِيًّا لِمَجْمَعِ الْفَتَاوَى. (قَالَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ) الْمَجْرُوحُ (وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى عَلَى الْجَارِحِ بِهَذَا السَّبَبِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ النَّاسِ قُبِلَتْ قُنْيَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ تَأْيِيدًا لِأَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ فَقَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ لِلْبَاقِينَ شَيْئًا وَلَا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْقِصَاصِ وَاجِبًا لَهُ لَكَانَ ضَامِنًا بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى آخَرَ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى فَنَصُّهَا: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ يُقْتَلُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ عَلِمَ بِعَفْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ لَا يُقْتَلُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَهَذَا كَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُمْسِكِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُمْسِكَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ قَتَلَ، وَفِي تَعْبِيرِهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَمُؤَدَّاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، بِخِلَافِ مَنْ عَفَا عَنْهُ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنَّهُ يَخْفَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي أَوْ لَا، بَلْ فِي الدُّرَرِ عَلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ؛ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ظَنُّهُ شُبْهَةً
(قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْأَوْلِيَاءِ مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةَ الضَّارِبِ نَافِيَةٌ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَتِهِ وَمَاتَتْ بِضَرْبِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ إنَّهَا خَرَجَتْ بَعْدَ الضَّرْبِ عَلَى السُّوقِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ؛ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا صَحَّتْ بَعْدَ الضَّرْبِ يَصِحُّ؛ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَوْتِ بِالضَّرْبِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَاضِلُ أَبُو السُّعُودِ اهـ كَذَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا عَلَى النَّفْيِ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَالْمُوَرِّثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَكَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَى مَنْ يَدَّعِي لَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ بِقَوْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَا يَصِحُّ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى إبْرَاءً لِوَرَثَتِهِ عَنْ الْمَالِ. وَقَيَّدَ ط كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ وَيَسْقُطُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute