تَحْقِيقِ مَا أَوْعَدَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا إذَا شَهَرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ فَإِنْ لَمْ يُشْهِرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ وَضَرَبُوهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ السِّلَاحِ يَلْبَثُ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَغِيثَ فَيَلْحَقَهُ الْغَوْثُ، وَإِنْ هَدَّدُوهُ بِخَشَبٍ كَبِيرٍ لَا يَلْبَثُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ فِي هَذَا الْحُكْمِ هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ كَانَ فِي رُسْتَاقٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ كَذَا فِي مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ قَالَ: وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَالْمُطَالِبُ بِالْمَالِ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ.
وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ صَالَحَ بِمَالٍ وَضَمِنَهُ ثُمَّ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَالِحِ شَيْءٌ مِنْ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا صَحَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَهَا، وَلَوْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ قَالَ: وَوَجْهٌ آخَرُ: أَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ صَارَ شَارِطًا سَلَامَتَهُ لَهُ فَيَتِمُّ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِيفَاءَ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا سِوَاهُ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَحَلَّ لَهُ تَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَضَمِنَهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، أَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَلَّمَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ صُلْحَ الْفُضُولِيِّ جَائِزٌ، فَإِنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَقِرَّ مَعِي فِي السِّرِّ، وَإِنْ كُنْت مُعْسِرًا فِي دَعْوَاك فَصَالِحْنِي عَلَى كَذَا وَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ فَصَالَحَهُ صَحَّ، وَصُورَةُ الضَّمَانِ الْفُضُولِيِّ بِأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي: صَالِحْ فُلَانًا مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ عَلَى فُلَانٍ، وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى مَالِهِ نَفَذَ الصُّلْحُ وَالْبَدَلُ عَلَى الضَّامِنِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ وَالْأَمْرُ بِالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ.
ادَّعَى دَارًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمُدَّعِي كَذَا دِينَارًا أَوْ يَأْخُذَ الدَّارَ جَازَ.
لَوْ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ يكى دِينَار بِكِيرِ وَأَبْطِلْ حَقَّ حَبْسِك فَفَعَلَ بَطَلَ حَقُّ الْحَبْسِ وَلِلْآجِرِ أَخْذُ دِينَارِهِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ لَا عَنْ اعْتِيَاضٍ فَكَانَ كَرِشْوَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ صُلْحِ الْكَفَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَقَسْمِ الْمَرْأَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا يَبْطُلُ الْحَقُّ، وَيَرْجِعُ الدَّافِعُ بِمَا دَفَعَ.
وَلَوْ كَفَلَ بِمَالٍ وَنَفْسٍ فَصَالَحَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ بَرِئَ.
أَخَذَ سَارِقٌ مَالَ غَيْرِهِ فَصَالَحَهُ حَتَّى كَفَّ عَنْ دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الْمَالِ بَطَلَ.
الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي لَوْ صَالَحَ شَارِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute