فنسوق المقصود من كلامه: فقالوا: قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل.
ورد هذا الاستدلال بأن مراد السائل بقوله:(بعدما أمسيت) يعني به:
بعد زوال الشمس في آخر النهار قبل الليل.
قالوا: والدليل الواضح على ذلك أن حديث ابن عباس المذكور (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى) الحديث.
فتصريحه بقوله (يوم النحر) يدل على أن السؤال وقع في النهار والرمي بعد الإمساء وقع في النهار؛ لأن الإمساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل.
قال ابن حجر في [فتح الباري] في شرح الحديث المذكور، قال:(رميت بعدما أمسيت) أي: بعد دخول المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام فلم يتعين؛ لكون الرمي المذكور كان بالليل. انتهى.
وقال ابن منظور في [لسان العرب] : المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم: إلى نصف الليل.
قالوا: فالحديث صريح في أن المراد بالمساء فيه آخر النهار بعد الزوال لا الليل، وإذا فلا حجة فيه للرمي ليلا.
وأجاب القائلون بجواز الرمي ليلا عن هذا بأجوبة:
الأول: منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «"لا حرج (١) » بعد قول السائل: (رميت بعدما أمسيت) ، يشمل لفظه نفي الحرج عمن رمى بعدما أمسى، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب،
(١) صحيح البخاري الحج (١٧٢١) ، صحيح مسلم الحج (١٣٠٧) ، سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٦٧) ، سنن أبو داود المناسك (١٩٨٣) ، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٥٠) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٢٩١) .