للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

ومثل ذلك: الاحتكار لما يحتاج الناس إليه، روى مسلم في [صحيحه] ، عن معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا خاطئ (١) » فإن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين؛ ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره.

ومن هنا يتبين: أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم - فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل: إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب.

فأما الأول: فمثل ما روى أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت؟ فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال (٢) » رواه أبو داود والترمذي وصححه.

فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر؛ إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق، فهذا إلى الله، فإلزام


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٥) ، سنن الترمذي البيوع (١٢٦٧) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٤٧) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٥٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/٤٠٠) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٣) .
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٨٦) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>