والمزارعة فقد أفسد على المسلمين دينهم ودنياهم، فإن المساكن كالحوانيت والدور ونحو ذلك لا ينتفع بها المقطع إلا بالإجارة، وأما المزارع والبساتين فينتفع بها بالإجارة وبالمزارعة والمساقاة في الأمر العام، والمرابعة نوع من المزارعة، ولا تخرج عن ذلك إلا إذا استكرى بإجارة مقدرة من يعمل له فيها، وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس، لأنه قد يخسر ماله ولا يحصل له شيء، بخلاف المشاركة فإنهما يشتركان في المنفعة والمغرم، فهو أقرب إلى العدل؛ فلهذا تختاره الفطر السليمة، وهذه المسائل لبسطها موضع آخر.
والمقصود هنا: أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما تحتاج إليه الناس من صناعاتهم - كالفلاحة والحياكة والبناية - فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك، ولا يمكن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب، وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك - فيستعمل بأجرة المثل، لا يمكن المستعملون من ظلمهم، ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم مع الحاجة إليهم، فهذا تسعير في الأعمال، وأما في الأموال فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد فعلى أهل السلاح أن يبيعوه بعوض المثل، ولا يمكنون من أن يحبسوا السلاح حتى يتسلط العدو أو يبذل لهم من الأموال ما يختارون، والإمام لو عين أهل الجهاد للجهاد تعين عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا استنفرتم فانفروا (١) » أخرجاه في [الصحيحين] ، وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة، في عسره ويسره،
(١) صحيح البخاري الحج (١٨٣٤) ، صحيح مسلم الحج (١٣٥٣) ، سنن الترمذي السير (١٥٩٠) ، سنن أبو داود الجهاد (٢٤٨٠) ، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٧٣) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣١٦) .