للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنشطه ومكرهه، وأثرة عليه (١) » .

فإذا وجب عليه أن يجاهد بنفسه وماله، فكيف لا يجب عليه أن يبيع ما يحتاج إليه في الجهاد بعوض المثل؟! والعاجز عن الجهاد بنفسه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإن الله أمر بالجهاد بالمال والنفس في غير موضع من القرآن، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (٢) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (٣) » أخرجاه في [الصحيحين] ، فمن عجز عن الجهاد بالبدن لم يسقط عنه الجهاد بالمال، كما أن من عجز عن الجهاد بالمال لم يسقط عنه الجهاد بالبدن، ومن أوجب على المعضوب أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه، وأوجب الحج على المستطيع بماله فقوله ظاهر التناقض، ومن ذلك: إذا كان الناس محتاجين إلى من يطحن لهم ومن يخبز لهم لعجزهم عن الطحن والخبز في البيوت، كما كان أهل المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء، ولا من يبيع طحينا ولا خبزا، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، فلم يكونوا يحتاجون إلى التسعير، وكان من قدم بالحب باعه فيشتريه الناس من الجالبين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون (٤) » ، وقال: «لا يحتكر إلا خاطئ (٥) » رواه مسلم في [صحيحه] ، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن قفيز الطحان» فحديث ضعيف، بل باطل، فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز؛ لعدم حاجتهم إلى ذلك،


(١) صحيح البخاري الفتن (٧٠٥٦) ، سنن النسائي البيعة (٤١٥٤) ، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٦٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٥/٣٢٥) ، موطأ مالك الجهاد (٩٧٧) .
(٢) سورة التغابن الآية ١٦
(٣) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨) ، صحيح مسلم الحج (١٣٣٧) ، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦١٩) ، سنن ابن ماجه المقدمة (٢) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٥٠٨) .
(٤) سنن ابن ماجه التجارات (٢١٥٣) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٤) .
(٥) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٥) ، سنن الترمذي البيوع (١٢٦٧) ، سنن أبو داود البيوع (٣٤٤٧) ، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٥٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/٤٠٠) ، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>