للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن المسلمين لما فتحوا البلاد كان الفلاحون كلهم كفارا؛ لأن المسلمين كانوا مشتغلين بالجهاد.

ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحة؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت البلاد وكثر المسلمون استغنوا عن اليهود فأجلوهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «نقركم فيها ما شئنا (١) » - وفي رواية - «ما أقركم الله (٢) » وأمر بإجلائهم منها عند موته صلى الله عليه وسلم فقال: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب (٣) » .

ولهذا ذهب طائفة من العلماء - كمحمد بن جرير الطبري - إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي هذه المسألة نزاع ليس هذا موضعه.

والمقصود هنا: أن الناس إذا احتاجوا إلى الطحانين والخبازين فهذا على وجهين:

أحدهما: أن يحتاجوا إلى صناعتهم، كالذين يطحنون ويخبزون لأهل البيوت، فهؤلاء يستحقون الأجرة، وليس لهم عند الحاجة إليهم أن يطالبوا إلا بأجرة المثل كغيرهم من الصناع.


(١) صحيح البخاري المزارعة (٢٣٣٨) .
(٢) صحيح البخاري الشروط (٢٧٣٠) .
(٣) مسند أحمد بن حنبل (١/١٩٥) ، سنن الدارمي السير (٢٤٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>