للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الفقهاء فيما عدا ذلك، كما علمت، فكل ما أكلناه مما عدا ذلك من طعامهم نكون موافقين فيه لقول بعض فقهائنا الذين شدد بعضهم فخفف بعض في هذه المسائل، وأشد الفقهاء تشديدا في ذلك وفي أكثر الأحكام: الشافعية، ومن تأمل أدلة الجميع رأى أن أظهرها قول الذين أخذوا بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١) ولم يخصصوه بذبائحهم فضلا عن تخصيصه بحبوبهم كالشيعة، ولا يشترط في حل طعامهم أن يأكل منه أحبارهم ورهبانهم كما قال ابن العربي، واختاره شيخنا الأستاذ مفتي مصر في الفتوى الترنسفالية فهو تشديد لا مستند له ـ وفي غير ما أهل به لغير الله ـ إلا الثقة بأن ما يأكلونه غير محرم عليهم في كتبهم، وقد نسخت شريعتنا كتبهم، كما قال الشافعي وغيره فلا عبرة بما حرم عليهم فيها، وقد قال الله تعالى في صفات خاتم النبيين: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (٢) ولا يشترط أيضا أن يكون طعامهم موافقا لشريعتنا سواء كانوا مخاطبين بفروعها قبل الإيمان كما يقول الشافعي أو غير مخاطبين بها إلا بعد الإيمان كما يقول الجمهور، إذ لو كان هذا شرطا لما كان لإباحة طعامهم فائدة.

وقال ابن رشد في [بداية المجتهد] ما نصه: ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك في أصل شرعهم وبين ما حرموا على أنفسهم، قال: ما حرم عليهم هو أمر حق فلا تعمل فيه الذكاة، وما حرموا على أنفسهم أمر باطل


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>