الحاكم الذي ولاه، فإن ولاه على أن يحكم بمذهب إمام معين - كأبي حنيفة مثلا - وجب عليه امتثاله، وإن حتم عليه العمل بالراجح وجب عليه امتثاله، وإن نص في منشوره على العمل بأقوال قيل إنها مرجوحة في مسائل معينة - وجب عليه امتثاله، وإن نص في منشوره على العمل بغير مذهب أبي حنيفة في مسائل معينة وجب عليه امتثاله، ومتى حكم القاضي بما يقيده له الحاكم الذي ولاه لا يمكن أن يقال: إن حكمه للهوى والغرض، ولا أنه حكم بأخذ المال.
أما الشيخ أبو الأعلى المودودي فقد دعا في كتابه [القانون الإسلامي] إلى تدوين الأحكام الفقهية على شكل مواد وفق الأسلوب الحديث؛ لتنفذها المحاكم، وتدرسها كليات الحقوق.
ومن هذه الأقوال التي نقلناها عن عدد من علماء المذاهب الأربعة وما اطلعنا عليه ضمن بحث اللجنة الدائمة نستطيع أن نقول: إن الإجماع يكاد يكون منعقدا على أن من توفرت فيه من القضاة شروط الاجتهاد التي ذكرها العلماء في كتبهم فإنه لا يجوز إلزامهم بالحكم بمذهب معين، أما إذا كان القاضي مقلدا ولا يتصف بأي شروط من شروط الاجتهاد - كما هو حال قضاتنا - فإن الأقوال طافحة وصريحة بأن إلزام أمثال هؤلاء بالحكم بمذهب معين - أمر سائغ. والذين لا يجيزون الإلزام بالحكم بمذهب معين فإنهم لا يقولون بأن غير المجتهد من القضاة لا يصح إلزامه؛ لأنهم يرون أن تولية القضاء غير المجتهد غير صحيحة، وهو رأي فيه من الحرج والضيق الشيء الكثير، وما أحسن قول شهاب الدين بن عطوة في هذا المقام حيث يقول: فإن ولاية الحكام في وقتنا ولايات صحيحة؛ لأنهم سدوا من ثغور