للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لامرأتي؟ فقال - عليه السلام -: لا خير في الكذب (١) » ، فقال: يا رسول الله، أفأعدها وأقوله لها؟ فقال - عليه السلام -: «لا جناح عليك (٢) » ، فمنعه من الكذب المتعلق بالمستقبل، فإن رضى النساء إنما يحصل به، ونفى الجناح على الوعد، وهو يدل على أمرين:

أحدهما: أن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا؛ لجعله قسيم الكذب.

وثانيهما: أن إخلاف الوعد لا حرج فيه، ولو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه، ولما ذكره مقرونا بالكذب، ولكن قصده إصلاح حال امرأته بما لا يفعله فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن عليه.

وفي أبي داود قال - عليه السلام -: «إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه (٣) » .

فهذه الأدلة تقتضي عدم الوفاء بالوعد وأن ذلك مباح، والكذب ليس بمباح فلا يكون الوعد يدخله الكذب عكس الأدلة الأول.

واعلم أنا إذا فسرنا الكذب بالخبر الذي لا يطابق لزم دخول الكذب في الوعد بالضرورة مع أن ظاهر الحديث يأباه، وكذلك عدم التأثيم فمن الفقهاء من قال: الكذب يختص بالماضي والحاضر، والوعد إنما يتعلق بالمستقبل فلا يدخله الكذب، وسيأتي الجواب عن الآية ونحوها إن شاء الله تعالى.

ومنهم من يقول: لم يتعين عدم المطابقة في المستقبل بسبب أن المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم ولم يقع فيه بعد وجود ولا عدم فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة ولا بالمطابقة؛ لأنه لم يقع بعد ما يقتضي أحدهما. وحيث قلنا: الصدق: القول المطابق، والكذب: القول


(١) موطأ مالك الجامع (١٨٥٩) .
(٢) موطأ مالك الجامع (١٨٥٩) .
(٣) سنن الترمذي الإيمان (٢٦٣٣) ، سنن أبو داود الأدب (٤٩٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>