الحكم لنفسها، وإنما ذلك مذهب أهل التحسين العقلي، بل إذا ظهر المعاني وفهمنا من الشرع اعتباره في اقتضاء الأحكام، فحينئذ نقبله، فإن المراد بالمصلحة عندنا ما فهم رعايته في حق الخلق من جلب المصالح ودرء المفاسد على وجه لا يستقل العقل بدركه على حال، فإذا لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى، بل يرده، كان مردودا باتفاق المسلمين.
ومثاله: ما حكى الغزالي عن بعض أكابر العلماء: أنه دخل على بعض السلاطين فسأله عن الوقاع في نهار رمضان، فقال: عليك صيام شهرين متتابعين، فلما خرج راجعه بعض الفقهاء، وقالوا له: القادر على إعتاق الرقبة كيف يعدل به إلى الصوم، والصوم وظيفة المعسرين، وهذا الملك يملك عبيدا غير محصورين؟ فقال لهم: لو قلت له عليك إعتاق رقبة لاستحقر ذلك وأعتق عبيدا مرارا، فلا يزجره إعتاق الرقبة ويزجره صوم شهرين متتابعين،. . . . . إلى أن قال:
الثالث: ما سكتت عنه الشواهد الخاصة، فلم تشهد باعتباره ولا بإلغائه. فهذا على وجهين:
أحدهما: أن يرد نص على وفق ذلك المعنى؛ كتعليل منع القتل للميراث بالمعاملة بنقيض المقصود، بتقدير أن لم يرد نص على وفقه، فإن هذه العلة لا عهد بها في تصرفات الشرع بالفرض ولا بملائمها بحيث يوجد لها جنس معتبر، فلا يصح التعليل بها، ولا بناء الحكم عليها باتفاق، ومثل هذا تشريع من القائل به فلا يمكن قبوله.
والثاني: أن يلائم تصرفات الشرع، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين، وهو الاستدلال المرسل