المسألة الواحدة قولان في وقتين، فكذلك يكون له في النوع الواحد من المسائل قولان في وقتين، فيجيب في بعض أفرادها بجواب في وقت ويجيب في بعض الأفراد بجواب آخر في وقت آخر. وإذا كانت الأفراد مستوية وكان له فيها قولان، فإن لم يكن بينهما فرق يذهب إليه مجتهد فقوله فيها واحد بلا خلاف، وإن كان مما قد يذهب إليه مجتهد فقالت طائفة منهم أبو الخطاب: لا يخرج، وقال الجمهور: - كالقاضي أبي يعلى - يخرج الجواب، إذا لم يكن هو ممن يذهب إلى الفرق كما اقتضته أصوله، ومن هؤلاء من يخرج الجواب إذا رآهما مستويين، وإن لم يعلم هل هو ممن يفرق أم لا، وإن فرق بين بعض الأفراد وبعض مستحضرا لهما، فإن كان سبب الفرق مأخذا شرعيا: كان الفرق قولا له، وإن كان سبب الفرق مأخذا عاديا أو حسيا ونحو ذلك مما قد يكون أهل الخبرة به أعلم من الفقهاء الذين لم يباشروا ذلك، فهذا في الحقيقة لا يفرق بينهما شرعا، وإنما هو أمر من أمر الدنيا لم يعلمه العالم، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم، فأما ما كان من أمر دينكم فإلي (١) » .
وهذا الاختلاف في عين المسألة أو نوعها من العلم قد يسمى تناقضا أيضا؛ لأن التناقض اختلاف مقالتين بالنفي والإثبات، فإذا كان في وقت قد قال: إن هذا حرام. وقال في وقت آخر فيه أو في مثله: إنه ليس بحرام، أو قال ما يستلزم أنه ليس بحرام - فقد تناقض قولاه. وهو مصيب في كليهما
(١) خرجه مسلم في صحيحه عن أنس وعائشة رضي الله عنهما.