للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرهما هو أصح الأقوال. وعليه يدل غالب معاملات السلف ولا يستقيم أمر الناس في معاشهم إلا به، وكل من توسع في تحريم ما يعتقده غررا فإنه لا بد أن يضطر إلى إجازة ما حرمه الله، فإما أن يخرج عن مذهبه الذي يقلده في هذه المسألة، وإما أن يحتال، وقد رأينا الناس وبلغتنا أخبارهم، فما رأينا أحدا التزم مذهبه في تحريم هذه المسائل، ولا يمكنه ذلك، ونحن نعلم قطعا أن مفسدة التحريم لا تزول بالحيلة التي يذكرونها. فمن المحال أن يحرم الشارع علينا أمرا نحن محتاجون إليه، ثم لا يبيحه إلا بحيلة لا فائدة فيها، وإنما هي من جنس اللعب. ولقد تأملت أغلب ما أوقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين: إما ذنوب جوزوا عليها بتضييق في أمورهم، فلم يستطيعوا دفع هذا الضيق إلا بالحيل فلم تزدهم الحيل إلا بلاء، كما جرى لأصحاب السبت من اليهود، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} (١) وهذا الذنب ذنب عملي. وإما مبالغة في التشديد لما اعتقدوا من تحريم الشارع، فاضطرهم هذا الاعتقاد إلى الاستحلال بالحيل وهذا من خطأ الاجتهاد، وإلا فمن اتقى الله وأخذ ما أحل له، وأدى ما وجب عليه. فإن الله لا يحوجه إلى الحيل المبتدعة أبدا. فإنه سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرج، وإنما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، فالسبب الأول: هو الظلم. والسبب الثاني: هو عدم العلم. والظلم والجهل هما وصف للإنسان المذكور في قوله: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (٢)


(١) سورة النساء الآية ١٦٠
(٢) سورة الأحزاب الآية ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>