للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولئلا يعتقد أن جنس هذه المعاملة حلال ولا يميز بين القصد وعدمه، ولئلا يفعلها الإنسان مع قصد خفي يخفى من نفسه على نفسه.

وللشريعة أسرار في سد الفساد وحسم مادة الشر، لعلم الشارع بما جبلت عليه النفوس، وبما يخفى على الناس من خفي هداها الذي لا يزال يسري فيها حتى يقودها إلى الهلكة، فمن تحذلق على الشارع واعتقد في بعض المحرمات أنه إنما حرم لعلة كذا وتلك العلة مقصودة فيه فاستباحه بهذا التأويل فهو ظلوم لنفسه جهول بأمر ربه، وهو إن نجا من الكفر لم ينج غالبا من بدعة أو فسق أو قلة فقه في الدين وعدم بصيرة.

أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصر، فنذكر منها ما حضر:

فالأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (١) حرم سب الآلهة مع أنه عبادة؛ لكونه ذريعة إلى سبهم لله سبحانه وتعالى؛ لأن مصلحة تركهم سب الله سبحانه راجحة على مصلحة سبنا لآلهتهم.

الثاني: ما روى حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه (٢) » ، متفق عليه. ولفظ البخاري: «إن من أكبر الكبائر: أن يلعن الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل


(١) سورة الأنعام الآية ١٠٨
(٢) صحيح البخاري الأدب (٥٩٧٣) ، صحيح مسلم الإيمان (٩٠) ، سنن الترمذي البر والصلة (١٩٠٢) ، سنن أبو داود الأدب (٥١٤١) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٢١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>