قالوا: وأيضا فالله سبحانه شرع الطلاق على أكمل الوجوه وأنفعها للرجل والمرأة، فإنهم كانوا يطلقون في الجاهلية بغير عدد، فيطلق أحدهم المرأة كلما شاء ويرجعها، وهذا وإن كان فيه رفق بالرجل ففيه إضرار بالمرأة، فنسخ سبحانه ذلك بثلاث، وقصر الزوج عليها، وجعله أحق بالرجعة ما لم تنقض عدتها، فإذا استوفى العدد الذي ملكه حرمت عليه، فكان في هذا رفق بالرجل إذ لم تحرم عليه بأول طلقة، وبالمرأة حيث لم يجعل إليه أكثر من ثلاث، فهذا شرعه وحكمته وحدوده التي حدها لعباده، فلو حرمت عليه بأول طلقة يطلقها، كان خلاف شرعه وحكمته، وهو لم يملك إيقاع الثلاث جملة، بل إنما ملك واحدة، فالزائد عليها غير مأذون له فيه.
قالوا: وهذا كما أنه لم يملك إبانتها بطلقة واحدة إذ هو خلاف ما شرعه، لم يملك إبانتها بثلاث مجموعة إذ هو خلاف ما شرعه.
ونكتة المسألة: أن الله لم يجعل للأمة طلاقا بائنا قط إلا في موضعين:
(أحدهما) : طلاق غير المدخول بها.
(والثاني) : الطلقة الثالثة، وما عداه من الطلاق فقد جعل للزوج فيه الرجعة. هذا مقتضى الكتاب كما تقدم تقريره، وهذا قول الجمهور، منهم: الإمام أحمد والشافعي وأهل الظاهر.
قالوا: لا يملك إبانتها بدون الثلاث إلا في الخلع، ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال فيما إذا قال: أنت طالق طلقة لا رجعة فيها- وساقها رحمه الله-