والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة " ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا فيها مصلحة؛ لما يورث ذلك من محبتهم، وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، وأن ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى ... إلى غير ذلك من الفوائد.
كذلك قد نتضرر بمتابعتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة، لأن ذلك الفعل الذي يوافق العبد فيه أو يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه، لكن عبر عن ذلك بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلا على المفسدة، ومخالفتهم دليلا على المصلحة.
واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة وعلى الأول من باب قياس العلة، وقد يجتمع الأمران. أعني: الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه، ومن نفس مشاركتهم فيه، وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما، فلا بد من التفطن لهذا المعنى، فإنه به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم مطلقا ومقيدا.
واعلم أن دلالة الكتاب على خصوص الأعمال وتفاصيلها إنما يقع بطريق الإجمال والعموم، أو الاستلزام، وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.
فنحن نذكر في آيات الكتاب: ما يدل على أصل هذه القاعدة في