على قومه الترف والسرف وفساد البأس والمنعة، فقد كتب إليه يأمره بالبروز إلى الشمس وبالخشونة وبترك زي الأعاجم، وهو أمر للمصلحة لا للتشريع كيف وعمر يعلم أن الشارع قد لبس لبوس الأعاجم.
وقد لبس المسلمون بأمر المنصور قلانس كقلانس الكفار، ولم ينكر ذلك أحد إلا ما كان من هزل بعض الشعراء، ولكن المسلمين وجموا واستنكروا تغيير السلطان محمود العثماني زي قومه بزي الإفرنج؛ لما كانوا عليه من الجمود على العادات، ولكن عقلاء الترك الآن يعدون ذلك أصلا من أصول الإصلاح، لا لأن تغيير الزي كبير النفع؛ ولكن لما فيه من زلزال ذلك الجمود الذي كان مانعا من اقتباس الدولة كثيرا من النظام النافع في الجند والإدارة والسياسة عن أوربا التي سبقت وبرزت فيه، وقد رأينا أثر سبقها وجمودنا باستيلائها على معظم بلاد المسلمين، نعم، إنني لا أنكر أن اختيار التشبه بالأجنبي هو أثر الضعف القاضي باحتذاء المغلوب مثال الغالب في زيه وعادته، وأنه ينبغي للأمة أن تحافظ على عادتها أشد المحافظة ما لم تكن ضارة، وإذا أرادت استبدال عادة بأخرى فليكن ذلك بحسب المصلحة، لا تقليدا محضا للأجنبي، ولا أنكر أن المصريين الذين يلبسون البرنيطة في أوربا ملومون، وأن سبب لبسهم إياها ضعف العزيمة ولكنني لا أقول إنهم قد عصوا الله تعالى واستحقوا عقوبته بذلك. ولو كان أمر اللبس من أمور الدين لوجب أن نتبع فيه الشارع، وقد كان يلبس الإزار والرداء ولم يلبس السراويل قط، بل لم يلبس هذه الجبة والفرجية ذات الأكمام الواسعة والأذيال الطويلة التي جمد عليها علماء المسلمين لهذا العهد، ولكنه نهى عنها، ولبس الجبة الرومية الضيقة الأكمام، فكان يتعذر